{أم حسب الَّذين اجترحوا السيئآت أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سآء مَا يحكمون}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَلَا يخلوا مخالفنا الَّذِي يُجِيز أَن يكون الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام قد اجترحوا السيئآت من أحد وَجْهَيْن لَا ثَالِث لَهما إِمَّا أَن يَقُول إِن فِي سَائِر النَّاس من لم يعْص وَلَا اجترح سَيِّئَة قيل لَهُ فَمن هَؤُلَاءِ الَّذين نفي الله عَنْهُم أَن يكون الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات مثلهم إِذا كَانُوا غير موجودين فِي الْعَالم فَلَا بُد من ان يَجْعَل كَلَام الله عز وَجل هَذَا فَارغًا لَا معنى لَهُ وَهَذَا كفر من قَائِله أَو يَقُول هم الْمَلَائِكَة فَإِن قَالَ ذَلِك رد قَوْله هَذَا قَول الله تَعَالَى فِي الْآيَة نَفسهَا {سَوَاء محياهم ومماتهم سآء مَا يحكمون} وَلَا نَص وَلَا إِجْمَاع على أَن الْمَلَائِكَة تَمُوت وَلَو جَاءَ بذلك نَص لقلنا بِهِ بل الْبُرْهَان مُوجب أَن لَا يموتوا لِأَن الْجنَّة دَار لَا موت فِيهَا وَالْمَلَائِكَة سكان الْجنان فِيهَا خلقُوا وفيهَا يخلدُونَ أبدا وَكَذَلِكَ الْحور الْعين وَأَيْضًا فَإِن الْمَوْت إِنَّمَا هُوَ فِرَاق النَّفس للجسد الْمركب وَقد نَص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن الْمَلَائِكَة خلقُوا من نور فَلَيْسَ فيهم شَيْء يُفَارق شَيْئا فيسمى موتا فَإِن اعْترض معترض بقوله {كل نفس ذائقة الْمَوْت} لزمَه أَن حمل هَذِه الْآيَة على عمومها أَن الْحور الْعين يمتن فَيجْعَل الْجنَّة دَار موت وَقد أبعدها الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان لَو كَانُوا يعلمُونَ} فَعلمنَا بِهَذَا النَّص أَن قَوْله تَعَالَى {كل نفس ذائقة الْمَوْت} إِنَّمَا عَنى بِهِ من كَانَ فِي غير الْجنَّة من الْجِنّ وَالْإِنْس وَسَائِر الْحَيَوَان الْمركب الَّذِي يُفَارق روحه جسده وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَيرد أَيْضا قَوْله أَن قَالَ بِهَذَا قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد إِلَّا وَقد ألم أَو كَاد إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا أَو يَقُول أَن فِي النَّاس من لم يجترح سَيِّئَة قطّ وَإِن من اجترح السَّيِّئَات لَا يساويهم كَمَا قَالَ عز وَجل فَإِن قَالَ ذَلِك فَإِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام عِنْده يجترجون السَّيِّئَات وَفِي سَائِر النَّاس من لَا يجترحها فَوَجَبَ أَن يكون فِي النَّاس من هُوَ أفضل من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَهَذَا كفر وَمَا قَدرنَا أَن أحدا مِمَّن ينتمي إِلَى أهل الْإِسْلَام وَلَا إِلَى أهل الْكتاب ينْطَلق لِسَانه بِهَذَا حَتَّى رَأينَا الْمَعْرُوف بِابْن الباقلاني فِيمَا ذكر عَنهُ صَاحبه أَبُو جَعْفَر السمناني قَاضِي الْموصل أَنه قد يكون فِي النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هُوَ أفضل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ يبْعَث إِلَى حِين يَمُوت فاستعظمنا ذَلِك وَهَذَا شرك مُجَرّد وقدح فِي النُّبُوَّة لاخفاء بِهِ وَقد كُنَّا نسْمع عَن قوم من الصُّوفِيَّة أَنهم يَقُولُونَ أَن الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي وَكُنَّا لَا نحقق هَذَا على أحد يدين بدين الْإِسْلَام إِلَى أَن وجدنَا هَذَا الْكَلَام كَمَا أوردنا فنعوذ بِاللَّه من الارتداد
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَو أَن هَذَا الضال المضل يدْرِي مَا معنى لَفْظَة أفضل ويدري فَضِيلَة النُّبُوَّة لما انْطلق لِسَانه بِهَذَا الْكفْر وَهَذَا التَّكْذِيب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ يَقُول أَنِّي لأتقاكم