فِي الْفروج وَالْأَمْوَال برهَان ذَلِك إِن حَاكما لَو شهد عِنْده بَيِّنَة عدل عِنْده فَلم يقْض بهَا وَقضى بِالْيَمِينِ على الْمُنكر الَّذِي لَا بَيِّنَة عَلَيْهِ فَحلف ثمَّ قضى عَلَيْهِ لَكَانَ القَاضِي فَاسِقًا بِلَا خلاف عَاصِيا لله عز وَجل لخلافه مَا أمره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَإِن وَافق حَقًا لم يكن علم بِهِ وَفرض على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم لَهُ أَن يرضيا بالحكم بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِين وَأَن يصيرا فِي أَنفسهمَا إِلَى حَقِيقَة علمهما فِي أَخذ الْحق وإعطائه وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَذكروا قَول الله تَعَالَى {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا جَاءَهُم نصرنَا} بتَخْفِيف الذَّال وَلَيْسَ هَذَا على مَا ظَنّه الْجُهَّال وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام ظنُّوا بِمن وعدهم النَّصْر من قَومهمْ أَنهم كذبُوا فِيمَا وعدوهم من نَصرهم وَمن الْمحَال الْبَين أَن يدْخل فِي عقل من لَهُ أدنى رَمق أَن الله تَعَالَى يكذب فَكيف بصفوة الله تَعَالَى من خلقه وأتمهم علما وأعرفهم بِاللَّه عز وَجل وَمن نسب هَذَا إِلَى نَبِي فقد نسب إِلَيْهِ الْكفْر وَمن أجَاز إِلَى نَبِي الْكفْر فَهُوَ الْكَافِر الْمُرْتَد بِلَا شكّ وَالَّذِي قُلْنَا هُوَ ظَاهر الْآيَة وَلَيْسَ فِيهَا أَن الله تَعَالَى كذبهمْ حاشا لله من هَذَا وَذكروا أَيْضا قَول الله تَعَالَى {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك لقد جآءك الْحق من رَبك} قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا عهدنا هَذَا الِاعْتِرَاض من أهل الْكتاب وَغَيرهم وَأما من يدعى أَنه مُسلم فَلَا وَلَا يُمكن الْبَتَّةَ أَن يكون مُسلم يظنّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ شاكا فِي صِحَة الْوَحْي إِلَيْهِ وَلنَا فِي هَذِه الْآيَة رِسَالَة مَشْهُورَة وَجُمْلَة حل هَذَا الشَّك أَن أَن فِي هَذِه الْآيَة الْمَذْكُورَة بِمَعْنى مَا الَّتِي للجحد بِمَعْنى وَمَا كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك ثمَّ أمره أَن يسْأَل أهل الْكتاب تقريراً لَهُم على أَنهم يعلمُونَ أَنه نَبِي مُرْسل مَذْكُور عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذَا كل مَا هُوَ بِهِ قد تقصيناه وبيناه وأرينا أَنه مُوَافق لقولنا وَلَا يشْهد شَيْء مِنْهُ لقَوْل مخالفنا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَنحن الْآن نَأْخُذ بحول الله وقوته فِي الْإِتْيَان بالبراهين الضرورية الْوَاضِحَة على صِحَة قَوْلنَا وَبطلَان قَول مخالفنا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة} وَقَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عباداً لي من دون الله} فَوَجَدنَا الله تَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين قد نفى عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام الْغلُول وَالْكفْر والتجبر وَلَا خلاف بَين أحد من الْأمة فِي أَن حكم الْغلُول كَحكم سَائِر الذُّنُوب قد صَحَّ الْإِجْمَاع بذلك وَأَن من جوز على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام شَيْئا من تعمدا لذنوب جوز عَلَيْهِم الْغلُول وَمن نفى عَنْهُم الْغلُول نفى عَنْهُم سَائِر الذُّنُوب وَقد صَحَّ نفي الْغلُول عَنْهُم بِكَلَام الله تَعَالَى فَوَجَبَ انْتِفَاء تعمد الذُّنُوب عَنْهُم بِصِحَّة الْإِجْمَاع على أَنَّهَا سَوَاء الْغلُول وَقَالَ عز وَجل