ذَلِك بقول الله تَعَالَى {قل فَأتوا بِسُورَة مثله} قَالُوا وَلم يتحد تَعَالَى بِأَقَلّ من ذَلِك وَذهب سَائِر أهل الْإِسْلَام إِلَى أَن الْقُرْآن كُله قَلِيله وَكَثِيره معجز وَهَذَا هُوَ الْحق الَّذِي لَا يجوز خِلَافه وَلَا حجَّة لَهُم فِي قَوْله تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} لِأَنَّهُ تَعَالَى لم يقل إِن مَا دون السُّورَة لَيْسَ معجزاً بل قد قَالَ تَعَالَى على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن وَلَا يخْتَلف اثْنَان فِي أَن كل شَيْء من الْقُرْآن قُرْآن فَكل شَيْء من الْقُرْآن معجز ثمَّ تعارضهم فِي تحديدهم المعجز بِسُورَة فَصَاعِدا فَنَقُول أخبرونا مَاذَا تعنون بقولكم أَن المعجز مِقْدَار سُورَة أسورة كَامِلَة لَا أقل أم مِقْدَار الْكَوْثَر فِي الْآيَات أم مقدارها فِي الْكَلِمَات أم مقدارها فِي الْحُرُوف وَلَا سَبِيل إِلَى وَجه خَامِس فَإِن قَالُوا المعجز سُورَة تَامَّة لَا أقل لَزِمَهُم أَن سُورَة الْبَقَرَة حاشا آيَة وَاحِدَة أَو كلمة وَاحِدَة من آخرهَا أَو من أَولهَا لَيست معْجزَة وَهَكَذَا كل سُورَة وَهَذَا كفر مُجَرّد لَا خَفَاء بِهِ إِذْ جعلُوا كل سُورَة فِي الْقُرْآن سوى كلمة من أَولهَا أَو من وَسطهَا أَو من آخرهَا لمقدور على مثلهَا وَإِن قَالُوا بل مقدارها من الْآيَات لَزِمَهُم أَن آيَة الدّين لَيست معْجزَة لِأَنَّهَا لَيست ثَلَاث آيَات ولزمهم مَعَ ذَلِك أَن وَالْفَجْر وليال عشر وَالشَّفْع وَالْوتر معجز كآية الْكُرْسِيّ وآيتان إِلَيْهَا لِأَنَّهَا ثَلَاث آيَات وَهَذَا غير قَوْلهم ومكابرة أَيْضا أَن تكون هَذِه الْكَلِمَات معْجزَة حاشا كلمة غير معْجزَة ولزمهم أَيْضا أَن وَالضُّحَى وَالْفَجْر وَالْعصر هَذِه الْكَلِمَات الثَّلَاث فَقَط معجزات لِأَنَّهُنَّ ثَلَاث آيَات فَإِن قَالُوا هن متفرقات غير متصلات لَزِمَهُم إِسْقَاط الإعجاز عَن ألف آيَة مُتَفَرِّقَة وَإِمْكَان الْمَجِيء بِمِثْلِهَا وَمن جعل هَذَا مُمكنا فقد كَابر العيان وَخرج عَن الْإِسْلَام وأبطل الإعجاز عَن الْقُرْآن وَفِي هَذَا كِفَايَة لمن نصح نَفسه ولزمهم أَيْضا أَن {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} لَيْسَ معجزاً وَهَذَا نقض لقَولهم فِي أَنه فِي أَعلَى درج البلاغة وَكَذَلِكَ كل ثَلَاث آيَات غير كلمة وَهَذَا خُرُوج عَن الْإِسْلَام وَعَن الْمَعْقُول وَإِن قَالُوا بل فِي عدد الْكَلِمَات أَو قَالُوا عدد الْحُرُوف لَزِمَهُم شَيْئَانِ مسقطان لقَولهم أَحدهمَا إبِْطَال احتجاجهم بقوله تَعَالَى {بِسُورَة من مثله} لأَنهم جعلُوا معجزاً مَا لَيْسَ سُورَة وَلم يقل تَعَالَى بِمِقْدَار فلاح تمويههم وَالثَّانِي أَن سُورَة الْكَوْثَر عشر كَلِمَات اثْنَان وَأَرْبَعُونَ حرفا وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وأوحينا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَعِيسَى وَأَيوب وَيُونُس وَهَارُون وَسليمَان} اثْنَتَا عشرَة كلمة اثْنَان وَسَبْعُونَ حرفا وَإِن اقتصرنا على الْأَسْمَاء فَقَط كَانَت عشرَة كَلِمَات اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ حرفا فَهَذَا أَكثر كَلِمَات وحروفاً من سُورَة الْكَوْثَر فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا معجزاً عنْدكُمْ وَيكون {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} غير معجز فَإِن قَالُوا إِن هَذَا غير معجز تركُوا قَوْلهم فِي إعجاز مِقْدَار أقل سُورَة فِي عدد الْكَلِمَات وَعدد الْحُرُوف وَإِن قَالُوا بل هُوَ معجز تركُوا قَوْلهم فِي أَنه فِي أَعلَى درج البلاغة ويلزمهم أَيْضا أننا إِن أسقطنا من هَذِه الْأَسْمَاء اسْمَيْنِ وَمن سُورَة الْكَوْثَر كَلِمَات أَن لَا يكون شَيْء من ذَلِك معجزا فَظهر سُقُوط كَلَامهم وتخليطه وفساده وَأَيْضًا فَإِذا كَانَت الْآيَة مِنْهُ أَو الْآيَتَانِ غير معْجزَة وَكَانَت مَقْدُورًا على مثلهَا وَإِذا كَانَ ذَلِك فكله مَقْدُور على مثله وَهَذَا كفر فَإِن قَالُوا إِذا اجْتمعت ثَلَاث آيَات صَارَت غير مَقْدُور عَلَيْهَا قيل لَهُم هَذَا غير قَوْلكُم إِن إعجازه إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق البلاغة لِأَن طَرِيق البلاغة فِي الْآيَة كَهُوَ فِي الثَّلَاث وَلَا فرق وَالْحق من هَذَا هُوَ مَا قَالَه الله تَعَالَى