الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة
ثمَّ تراكيب أَعْضَاء الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان من إِدْخَال الْعِظَام المحدبة فِي المقعرة وتركيب العضل على تِلْكَ المداخل والشد على ذَلِك بالعصب وَالْعُرُوق صناعَة ظَاهِرَة لَا شكّ فِيهَا لَا ينقصها إِلَّا رُؤْيَة الصَّانِع فَقَط
وَمن ذَلِك مَا يظْهر فِي الأصباغ الْمَوْضُوعَة فِي جُلُود كثير من الْحَيَوَان وريشه ووبره وشعره وظفره وقشره على رُتْبَة وَاحِدَة وَوضع وَاحِد لَا تخَالف فِيهِ كاضباغ الحجل والشفانين اليمام وَالسمان والبزاة وَكثير من الطير والسلاحف والحشارت والسمك لَا يخْتَلف تنقيطه الْبَتَّةَ وَلَا تكون أصباغه مَوْضُوعَة إِلَّا وضعا وَاحِدًا كأذناب الطواويس وَفِي السّمك وَالْجَرَاد والحشرات نوعا وَاحِدًا كَالَّذي يصوره المصور بَيْننَا
ثمَّ مِنْهَا مَا يَأْتِي مُخْتَلفا كأصباغ الدَّجَاج وَالْحمام والبط وَكثير من الْحَيَوَان فالبضرورة والحس نعلم أَن لذَلِك صانعاً مُخْتَارًا يفعل ذَلِك كُله كَمَا شَاءَ ويحصيه إحصاء لَا يضطرب أبدا عَمَّا شَاءَ من ذَلِك وَلَيْسَ يُمكن الْبَتَّةَ فِي حس الْعقل أَن تكون هَذِه المختلفات المضبوطة ضبطاً لَا تفَاوت فِيهِ من فعل طبيعة وَلَا بُد لَهَا من صانع قَاصد إِلَى صَنْعَة كل ذَلِك وَمن دري مَا الطبيعة علم أَنَّهَا قُوَّة مَوْضُوعَة فِي الشَّيْء تجْرِي بهَا صِفَاته على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَقَط وبالضرورة يعلم أَن لَهَا وَاضِعا ومرتباً وصانعاً لِأَنَّهَا لَا تقوم بِنَفسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ يحولة على ذِي الطبيعة وَمِنْهَا مَا نرى فِي لِيف النّخل والدوم من النسج الْمَصْنُوع يَقِينا بنيرين وسدى كَالَّذي يصنعه النساج مَا تنْقصنَا إِلَّا رُؤْيَة الصَّانِع فَقَط وَلَيْسَ هَذَا الْبَتَّةَ من فعل طبيعة وَلَا بنسج ناسج وَلَا بِنَاء وَلَا صانع أصباغ مرتبَة بل صَنْعَة صانع مُخْتَار قَاصد إِلَى ذَلِك غير ذِي طبيعة لكنه قَادر على مَا يَشَاء هَذَا أَمر مَعْلُوم بضرورة الْعقل وأوله يَقِينا كَمَا نعلم أَن الثَّلَاثَة أَكثر من الِاثْنَيْنِ فصح أَنه خَالق أول وَاحِد حق لَا يشبه شَيْئا من خلقه الْبَتَّةَ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَاحِد الأول الْخَالِق عز وَجل
بَاب الْكَلَام على من قَالَ إِن الْعَالم لم يزل وَله مَعَ ذَلِك فَاعل لم يزل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ قد أفسدنا بحول الله وقوته بالبراهين الَّتِي قدمنَا هَذِه الْمقَالة وَلَكِن بَقِي لَهُم اعْتِرَاض وَجب إِيرَاده تقصياً لكل مَا موهوا بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ اعْتمد أهل هَذِه الْمقَالة على أَن قَالُوا إِن عِلّة فعل الْبَارِي تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ وجوده وحكمته وَقدرته وَهُوَ تَعَالَى لم يزل جواداً حكيماً قَادِرًا فالعالم لم يزل إِذْ علته لم تزل فَهَذَا فَاسد الْبَتَّةَ بِالدّلَالَةِ