الْجُهَّال وَمَا يبنون عَلَيْهَا وَهَذَا الِاعْتِرَاض من هَذَا الْبَاب وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا إلزامنا بِأَن الله عز وَجل وعد أهل الْجنَّة أَن يوفيهم نعيماً لَا نِهَايَة لَهُ وَهَذَا خطأ وَكذب وَمَا وعدهم الله عز وَجل قطّ بِأَن يوفيهم ذَلِك النَّعيم وَلَو وعدهم بذلك لَكَانَ ذَلِك النَّعيم إِذا استوفي بَطل وفني وانقضى وَإِنَّمَا وعدهم تَعَالَى بنعيم لَا نِهَايَة لَهُ وكل مَا ظهر وَوجد من ذَلِك النَّعيم فَهُوَ مَحْصُور ذُو نِهَايَة وَمَا لم يخرج إِلَى حد الْفِعْل فَهُوَ عدم بعد وَلَا يَقع عَلَيْهِ عدد وَلَا صفة وَهَكَذَا أبدا فقد ظهر أَن لَفْظَة بوفيهم هِيَ الشغيبة الْفَاسِدَة الَّتِي موهوا بهَا فَإِذا أسقطها الْمُعْتَرض من كَلَامه سقط اعتراضه جملَة وَصحت الْقَضِيَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل إِن الله تَعَالَى يَقُول وَإِنَّا لموفوهم نصِيبهم غير مَنْقُوص قُلْنَا هَذَا لَا يَخْلُو من أحد وَجْهَيْن لَا ثَالِث لَهما إِمَّا أَن يكون أَرَادَ بذلك نصِيبهم من الْجَزَاء وَيكون أَرَادَ نصبيهم من مساحة الْجنَّة
فَإِن كَانَ عَنى عز وَجل بذلك نصِيبهم من الْجَزَاء بالعقاب وَالنَّعِيم فَهُوَ صَحِيح لِأَن كل مَا خرج من ذَلِك إِلَى حد الْوُجُود فَهُوَ مُسْتَوفى بِيَقِين وَهَكَذَا أبدا
وَإِن كَانَ تَعَالَى عَنى بذلك نصيب كل وَاحِد من الْجنَّة وَالنَّار فَهَذَا صَحِيح لِأَن كل مَكَان مِنْهَا متناه من جِهَة المساحة وَإِنَّمَا نَفينَا التوفية الَّتِي توجب الِانْقِضَاء بِلَا زِيَادَة فِيهَا وَقد قَالَ عز وَجل فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم أُجُورهم ويزيدهم من فَضله وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تبينان أَن الْأجر المستوفي هُوَ مَا يعطونه من مساحة الْجنَّة وكل مَا خرج إِلَى الْوُجُود من النَّعيم ثمَّ لَا يزَال تَعَالَى يزيدهم من فَضله كَمَا قَالَ تَعَالَى {بِغَيْر حِسَاب} فَهَذَا لَا يَسْتَوْفِي أبدا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا كل وَلَو استوفي لم يُمكن أَن تكون فِيهِ زِيَادَة إِذْ بِالضَّرُورَةِ يعلم أَن مَا استوفى فَلَا زِيَادَة فِيهِ وَمَا تمكن الزِّيَادَة فِيهِ فَلم يسْتَوْف بعد وَالله تَعَالَى قد نَص على أَن بعد تِلْكَ التوفية زِيَادَة فصح أَنَّهَا تَوْفِيَة لشَيْء مَحْدُود متناه وَأَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا يسْتَوْفى أبدا فقد ثَبت بِكُل مَا ذكرنَا أَن الْعَالم ذُو أول وَإِذا كَانَ ذَا أول فَلَا بُد ضَرُورَة من أحد ثَلَاثَة أوجه لَا رَابِع لَهَا وَهِي إِمَّا أَن يكون أحدث ذَاته وَإِمَّا أَن يكون حدث بِغَيْر أَن يحدثه غَيره وَبِغير أَن يحدث هُوَ نَفسه وَإِمَّا أَن يكون أحدثه غَيره فَإِن كَانَ هُوَ أحدث ذَاته فَلَا يَخْلُو من أحد أَرْبَعَة وُجُوه لَا خَامِس لَهَا وَهِي إِمَّا أَن يكون أحدث ذَاته وَهُوَ مَعْدُوم وَهِي مَوْجُودَة أَو أحدث ذَاته وَهُوَ مَوْجُود وَهِي مَعْدُومَة أَو أحدثها وَكِلَاهُمَا مَوْجُود أَو أحدثها وَكِلَاهُمَا مَعْدُوم وكل هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَوْجه محَال مُمْتَنع لَا سَبِيل إِلَى شَيْء مِنْهَا