أَجْزَائِهِ فَهُوَ ذُو أول لَا ذُو أول وَهَذَا عين الْمحَال وَيجب من ذَلِك أَيْضا أَن لأجزائه أَوَائِل محسوسة وأجزاؤه لَيست غَيره وَهُوَ غير ذِي أول فأجزاؤه إِذن لَهَا أول لَيْسَ لَهَا أول وَهَذَا محَال وتخليط فصح بِالضَّرُورَةِ أَن للْعَالم أَولا إِذْ كل أَجْزَائِهِ لَهَا أول وَلَيْسَ هُوَ شَيْئا غير أَجْزَائِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
برهَان ثَان قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فَنَقُول كل مَوْجُود بِالْفِعْلِ فقد حصره الْعدَد وأحصته طَبِيعَته وَمعنى الطبيعة وَحدهَا هُوَ أَن تَقول الطبيعة هِيَ الْقُوَّة الَّتِي فِي الشَّيْء فتجري بهَا كيفيات ذَلِك الشَّيْء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِن أوجزت قلت هِيَ قُوَّة فِي الشَّيْء يُوجد بهَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَحصر الْعدَد وإحصاء الطبيعة نِهَايَة صَحِيحَة إِذْ مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا إحصاء وَلَا حصر لَهُ إِذْ لَيْسَ معنى الْحصْر والإحصاء الأخم مَا بَين طرفِي المحصي المحصور والعالم مَوْجُود بِالْفِعْلِ وكل مَحْصُور بِالْعدَدِ محصي بالطبيعة فَهُوَ ذُو نِهَايَة فالعالم كُله ذُو نِهَايَة وَسَوَاء فِي ذَلِك مَا وجد فِي مُدَّة وَاحِدَة أَو مدد كَثِيرَة إِذْ لَيست تِلْكَ المدد إِلَّا مُدَّة محصاة إِلَى جنب مُدَّة محصاة فَهِيَ مركبة من مدد محصاة وكل مركب من أَشْيَاء فَهُوَ تِلْكَ الْأَشْيَاء الَّتِي ركب مِنْهَا فَهِيَ كلهَا مدد محصاة كَمَا قدمنَا فِي الدَّلِيل الأول فصح من كل ذَلِك أَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى وجوده بِالْفِعْلِ وَمَا لم يُوجد إِلَّا بعد مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى وجوده أبدا لِأَن وُقُوع البعدية فِيهِ هُوَ وجود نِهَايَة لَهُ وَمَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا بعد لَهُ فعلى هَذَا لَا يُوجد شيءٌ بعد شيءٍ أَبَد الْأَبَد والأشياء كلهَا مَوْجُودَة بَعْضهَا بعد بعض فالأشياء كلهَا ذَات نِهَايَة وَهَذَانِ الدليلان قد نبه الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا وحصرهما بحجته الْبَالِغَة إِذْ يَقُول وكل شيءٍ عِنْده بِمِقْدَار
برهَان ثَالِث قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى الزِّيَادَة فِيهِ إِذْ معنى الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ أَن تضيف إِلَى ذِي النِّهَايَة شَيْئا من جنسه يزِيد ذَلِك فِي عدده أَو فِي مساحته فَإِن كَانَ الزَّمَان لَا أول لَهُ يكون بِهِ متناهياً فِي عدده الْآن فَإِذن كل مَا زَاد فِيهِ وَيزِيد مِمَّا يَأْبَى من الْأَزْمِنَة مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يزِيد ذَلِك فِي عدد الزَّمَان شَيْئا وَفِي شَهَادَة الْحس أَن كل مَا وجد من الأعوام على الْأَبَد إِلَى زَمَاننَا هَذَا الَّذِي هُوَ وَقت ولَايَة هِشَام الْمُعْتَمد بِاللَّه هُوَ أَكثر من كل مَا وجد من الأعوام على الْأَبَد إِلَى وَقت هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن لم يكن هَذَا صَحِيحا فَيجب إِذن أَنه إِذا دَار زحل دورة وَاحِدَة فِي كل ثَلَاثِينَ سنة وزحل لم يزل يَدُور دَار الْفلك الْأَكْبَر فِي تِلْكَ الثَّلَاثِينَ سنة إِحْدَى عشرَة ألف دورة غيرَة خمسين دورة والفلك لم يزل يَدُور وَإِحْدَى عشرَة ألف غير خمسين دورة أَكثر من دورة