هَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ بَلْ هُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ فَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّمَ لِقَتْلِ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَمَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيَّاتِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَالرِّضَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا طَمَعَ فِيهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَلَطٌ بَلْ الْحَقُّ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَيَسِّرٌ عَلَى أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ)
اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولِ الْمَثُوبَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَمَقْدُورِهِ فَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولِ الْمَثُوبَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَمَقْدُورِهِ فَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ شَاوَرَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْمٍ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَبِهِ يُرَدُّ تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِ فَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمَا مَا يَكْرَهَانِهِ لَوْ سَمِعَاهُ وَأُبِيحَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّصِيحَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ تَكُونَ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِذَلِكَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا يُخِلُّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً الَّتِي حَصَلَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيهَا أَوْ الَّتِي يَعْتَقِدُ النَّاصِحُ أَنَّ الْمَنْصُوحَ شَرَعَ فِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى عَزْمِ ذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَإِنَّ حِفْظَ مَالَ الْإِنْسَانِ وَعِرْضَهُ وَدَمَهُ عَلَيْك وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَك بِذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَذَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبِيحَتْ الْغِيبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يُسْتَشَارَ فِي أَمْرِ الزَّوْجِ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ الزَّوَاجِ، وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ أَوْ يُسْتَشَارَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ السَّفَرِ وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالزَّوَاجِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِمَا اُسْتُشِيرَ فِيهِ حَرَامٌ مَثَلًا إنْ كَفَى نَحْوُ لَا يَصْلُحُ لَك لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى ذِكْرِ عَيْبٍ ذَكَرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَيْبَيْنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَذْلَ النَّصِيحَةِ لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - دُونَ حَظٍّ آخَرَ وَكَثِيرًا مَا يَغْفُلُ الْإِنْسَانُ عَنْ ذَلِكَ فَيُلَبِّسُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَحْمِلُهُ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ حِينَئِذٍ لَا نُصْحًا وَيُزَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ نُصْحٌ وَخَيْرٌ
(الْخَامِسُ) أَنْ يَتَجَاهَرَ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْمَكَّاسِينَ وَشَرَبَةِ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَذَوِي الْوِلَايَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَكَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ
(فَمِثْلُك حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٍ ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ)
فَذِكْرُ مِثْلِ هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَا يَحْرُمُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِذَلِكَ بَلْ يُسَرُّونَ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ فِي الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ وَرَوَى خَبَرًا مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا مُنَافِقَيْنِ هُمَا مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ لَكِنْ بِشَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا تُجَاهِرُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِعَيْبٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ آخَرَ مِمَّا مَرَّ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ: سَأَلْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ عَمَّنْ يَرْوِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» فَقَالُوا لِي: لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ الْفَاسِقِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَنُقِلَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ الْخَادِمِ أَنَّهُ وُجِدَ بِخَطِّ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْقَفَّالَ فِي فَتَاوِيهِ خَصَّصَ الْغِيبَةَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُذَمُّ شَرْعًا بِخِلَافِ نَحْوِ الزِّنَا فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ تَحْذَرْهُ النَّاسُ» غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ السِّتْرُ حَيْثُ لَا غَرَضَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَضٌ كَتَجْرِيحِهِ أَوْ إخْبَارِ مُخَالَطَةٍ فَيَلْزَمُ بَيَانُهُ. اهـ. قَالَ الْخَادِمُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ ضَعِيفٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى فَاجِرٍ مُعْلِنٍ بِفُجُورِهِ أَوْ يَأْتِي بِشَهَادَةٍ أَوْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ لِئَلَّا يَقَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي حَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ لَيْسَ لِلْفَاسِقِ غِيبَةٌ، وَيُقْتَضَى عَلَيْهِ عُمُومُ خَبَرِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِيهِ