وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الْأَرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَرَضِ بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ، وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] فَمَنْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ فَالْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَطْ أَمَّا الْمَقْضِيُّ فَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْوَاجِبَاتِ إذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَمُبَاحًا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَأَمَّا بِالْقَضَاءِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ تَفْصِيلٍ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْكُفْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ فَيُكْرِهُهُمَا وَأَمَّا قَدَرُ اللَّهِ فِيهِمَا فَالرِّضَا بِهِ لَيْسَ إلَّا وَمَتَى سَخِطَهُ وَسَفَّهَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أَوْ كُفْرًا مُنْضَمًّا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَكُفْرِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ، وَإِذَا وَضَحَتْ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَخَاصَّةِ عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَزِيزِ الْوُجُودِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُونَ مِنْ الْمَقْضِيِّ فَقَطْ، وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالتَّجْوِيرِ وَالْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِنْ الْفُجَّارِ وَالْمَرَدَةِ وَإِنَّمَا يَبْعَثُ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ مِنْ قَرْضِ عِرْضِهِ كَمَا يَتَأَلَّمُ بَدَنُهُ مِنْ قَطْعِ لَحْمِهِ لِأَكْلِهِ بَلْ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ عِرْضَ الْعَاقِلِ عِنْدَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ مِنْ عَاقِلٍ أَكْلُ لُحُومِ النَّاسِ لَا يَحْسُنُ مِنْهُ قَرْضُ عِرْضِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ، وَوَجْهُ الْآكَدِيَّةِ فِي لَحْمِ أَخِيهِ أَنَّ الْأَخَ لَا يُمْكِنُهُ مَضْغُ لَحْمِ أَخِيهِ فَضْلًا عَنْ أَكْلِهِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ لَحْمَ عَدُوِّهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ، وَانْدَفَعَ بِمَيْتًا - الْوَاقِعِ حَالًا إمَّا مِنْ لَحْمِ أَخِيهِ أَوْ أَخِيهِ - مَا قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا تَحْرُمُ الْغِيبَةُ فِي الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُؤْلِمُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهَا فِي الْغِيبَةِ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِلْمُغْتَابِ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْأَخِ، وَهُوَ مَيِّتٌ لَا يُؤْلِمُ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ الِاطِّلَاعُ لَتَأَلَّمَ بِهِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَوْ أَحَسَّ بِأَكْلِ لَحْمِهِ لَآلَمَهُ فَكَذَا الْغِيبَةُ تَحْرُمُ فِي الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُغْتَابَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا لَتَأَلَّمَ، وَأَيْضًا فَفِي الْعِرْضِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْغِيبَةَ وَقَعَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُغْتَابَ الْعِلْمُ بِهَا حَرُمَتْ أَيْضًا رِعَايَةً لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفَطْمًا لِلنَّاسِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَالْخَوْضِ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اللَّهُمَّ إلَّا لِلْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَتُبَاحُ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَمَا أَشَارَتْ الْآيَةُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِذِكْرِ " مَيْتًا " إذْ لَحْمُ الْمَيِّتِ إنَّمَا يَحِلُّ لِلضَّرُورَةِ الْحَاقَّةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً أُخْرَى مَعَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لَمْ تَحِلَّ لَهُ مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْفَرْضُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْغِيبَةِ خَرَجَتْ عَنْ أَصْلِهَا مِنْ الْحُرْمَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ أَوْ تُبَاحُ.

وَتَنْحَصِرُ الَّتِي لَا تَحْرُمُ لِلْغَرَضِ الصَّحِيحِ الشَّرْعِيِّ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ نَظَمَهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ

الْقَدْحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ

وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ

كَمَا فِي حَاشِيَةَ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبَيَانُهَا كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ

(الْأَوَّلُ) الْمُتَظَلِّمُ فَلِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَشْكُوَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى إزَالَةِ ظُلْمِهِ أَوْ تَخْفِيفِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ: إنَّ فُلَانًا أَخَذَ مَالِي وَغَصَبَنِي أَوْ ثَلَمَ عِرْضِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَادِحِ الْمَكْرُوهَةِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ

الثَّانِي الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِذِكْرِهِ لِمَنْ يَظُنُّ قُدْرَتَهُ عَلَى إزَالَتِهِ بِنَحْوِ فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ بِقَصْدِ التَّوَصُّلِ إلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً مَا لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ مُجَاهِرًا لِمَا يَأْتِي

(الثَّالِثُ) الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِمُفْتٍ ظَلَمَنِي بِكَذَا فُلَانٌ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَمَا طَرِيقِي فِي خَلَاصِي مِنْهُ أَوْ تَحْصِيلِ حَقِّي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُبْهِمَهُ فَيَقُولُ: مَا تَقُولُ فِي شَخْصٍ أَوْ زَوْجٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَإِنَّمَا جَازَ التَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُدْرِكُ مِنْ تَعْيِينِهِ مَعْنًى لَا يُدْرِكُهُ مَعَ إبْهَامِهِ فَكَانَ فِي التَّعْيِينِ نَوْعُ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(الرَّابِعُ) تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرِّ وَنَصِيحَتِهِمْ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنَّفِينَ وَالْمُتَصَدِّينَ لِإِفْتَاءٍ أَوْ إقْرَاءٍ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ مَعَ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، وَهُمْ دُعَاةٌ إلَيْهَا وَلَوْ سِرًّا فَيَجُوزُ إجْمَاعًا بَلْ يَجِبُ وَكَانَ يُذْكَرُ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى عَزْلِ ذِي الْوِلَايَةِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى نُصْحِهِ وَحَثِّهِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ قَادِحًا فِيهَا كَفِسْقٍ أَوْ تَغَفُّلٍ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُشِيرُ وَلَوْ إنْ لَمْ يَسْتَشِرْ عَلَى مُرِيدِ تَزْوِيجٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ لِغَيْرِهِ فِي أَمْرٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، وَقَدْ عَلِمَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرُ قَبِيحًا مُنَفِّرًا كَفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَفَقْرٍ فِي الزَّوْجِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015