تَكُونَ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِذَلِكَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا يُخِلُّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً الَّتِي حَصَلَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيهَا، أَوْ الَّتِي يَعْتَقِدُ النَّاصِحُ أَنَّ الْمَنْصُوحَ شَرَعَ فِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى عَزْمِ ذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَإِنَّ حِفْظَ مَالِ الْإِنْسَانِ وَعِرْضِهِ وَدَمِهِ عَلَيْك وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَك بِذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَذَا حَرَامٌ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبِيحَتْ الْغِيبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يُسْتَشَارَ فِي أَمْرِ الزَّوَاجِ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ الزَّوَاجِ وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُسْتَشَارَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ فَتُذْكَرَ الْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِمَصْلَحَةِ السَّفَرِ، وَالْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِالزَّوَاجِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِمَا اُسْتُشِرْت فِيهِ حَرَامٌ بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى عَيْنِ مَا عُيِّنَ أَوْ تَعَيَّنَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ
(الثَّانِيَةُ) التَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ فِي الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ الْمُجَرِّحِ وَلَوْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ وَالتَّفَكُّهُ بِأَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْعِصْمَةُ، وَكَذَلِكَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ يَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِ مِنْهُمْ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهَذَا الْبَابُ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحُكَّامٍ بَلْ يَجُوزُ وَضْعُ ذَلِكَ لِمَنْ يَضْبِطْهُ وَيَنْقُلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ النَّاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى ضَبْطِ السُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَطَالِبُ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْزِيرُهُ لِحَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَتَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَقَّيْ الْوَالِدِ وَالسَّلْطَنَةِ. اهـ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ أَيْ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِوَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلِ) مَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَزِّرْ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَالَهُ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ فِي أَمْرِ السَّقْيِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك» يَعْنِي فَسَامَحْتَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] فَإِذَا قَسَطَ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ لِجَفَاءِ الْأَعْرَابِ لَا لِقَصْدِ السَّبِّ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ وَجَوَابُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ قَدْ يَجِبُ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ. (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْقَاعِدَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُقُوبَاتِ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ حَدَّ الزِّنَا مِائَةً وَحَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ وَحَدَّ السَّرِقَةِ الْقَطْعَ وَحَدَّ الْحِرَابَةِ الْقَتْلَ إلَّا أَنَّهَا جَرَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي مَسَائِلَ. (مِنْهَا) أَنَّ الشَّرْعَ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ سَرِقَةِ دِينَارٍ وَسَرِقَةِ أَلْفِ دِينَارٍ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ شَارِبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَشَارِبِ جَرَّةٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَفَاسِدِهَا حَدًّا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرِّ أَعْظَمُ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ بِدَلِيلِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ دُونَ الْبِكْرِ لِعِظَمِ مِقْدَارِهِ مَعَ أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا سَاوَتْ الْأَحْرَارَ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ لِتَعَذُّرِ التَّجْزِئَةِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْجُرْحِ اللَّطِيفِ السَّارِي لِلنَّفْسِ وَالْعَظِيمِ فِي الْقِصَاصِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ قَتْلِ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الصَّالِحِ التَّقِيِّ الشُّجَاعِ الْبَطَلِ مَعَ الْوَضِيعِ.
وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَبَدًا فَيَخْتَلِفُ دَائِمًا بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَمَا قَالَ بِبَعْضِهِ أَصْحَابُنَا وَبَعْضُهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ. (فَمِنْهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْهَجْرِ فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ» وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصِّحَاحِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ صَبِيغًا الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَغَيْرِهَا وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْمُشْكِلَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ ضَرْبًا وَجِيعًا وَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، وَأَمَرَ بِهَجْرِهِ فَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَابَ وَكَتَبَ عَامِلُ الْبَلَدِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي كَلَامِهِ. (وَمِنْهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّرَ بِالنَّفْيِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفْيِهِمْ» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَقَ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمَّا تَشَبَّبَ النِّسَاءُ بِهِ فِي الْأَشْعَارِ وَخَشَى الْفِتْنَةَ بِهَا. (وَمِنْهَا) مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ. (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَتَهَا أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهَا» . (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَأَشَارُوا بِحَرْقِهِ فِي النَّارِ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ حَرَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ ثُمَّ حَرَقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرَقَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ. (وَمِنْهَا) «إبَاحَتُهُ