بَاقِيَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الصَّحِيحَةِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ إلَّا مِنْ حِسَابِ نِصْفِ الدِّيَةِ.
(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، وَإِمَّا أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ، وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، أَوْ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ، وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ، وَلَا عَجِيبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَيَّامِ مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ الْمُسَمَّاةِ بِدَلُوكَا وَضَعُوا السِّحْرَ فِي الْبَرَايَا، وَصَوَّرُوا فِيهِ عَسَاكِرَ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ تَخَيَّلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَوْ رِجَالُهُ أَنَّهُ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً، وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ فَمِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50] .
(الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْ يَقْدِرُ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ وَدَلِيلُ أَنَّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةً الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَا يُعَلَّمُ، وَلَا يَلْزَمُ صُدُورُ الْكُفْرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قُرِئَ الْمَلِكَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ هُمَا مَلَكَانِ، وَأَذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ صَعِدَا إلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُمَا {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلْهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذْ الْمَالَ، وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] أَيْ مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ فَكَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ كَانَ السِّحْرُ وَخَبَرُهُ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَكَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْقَدَرِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا. (فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَهُوَ تَخَيُّلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ يَنْهَضُ إلَى كُلِّ الْمَقَاصِدِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَأَمْكَنَ السَّاحِرُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ إضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّاحِرِ وَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ يَمْنَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ؛ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِكَمِ مَعَ أَنَّنَا سَنُبَيِّنُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَاتِ مِنْ وُجُوهٍ فَلَا يَحْصُلُ اللَّبْسُ وَالضَّلَالُ. اهـ بِزِيَادَةٍ مَا.
الْمَقْصِدُ الثَّانِي) السِّحْرُ عَلَى الْجُمْلَةِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ مَا هُوَ غَيْرُ خَارِقٍ لِلْعَوَائِدِ وَالثَّانِي مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالنَّوْعُ الثَّانِي هُوَ مَا عَرَّفَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ هُوَ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ لِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ السِّحْر وَالْعَيْنِ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ، وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لِفَاضِلٍ أَصْلًا