وَأَتْبَاعَهُ وَأَتْبَاعَ كُلِّ مُبْطِلٍ عَدِيمِينَ لِلطَّلَاوَةِ لَا بَهْجَةَ عَلَيْهِمْ وَالنُّفُوسُ تَنْفِرُ مِنْهُمْ، وَلَا فِيهِمْ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ أَثَرٌ فَهَذِهِ فُرُوقٌ ثَلَاثَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لَا يَبْقَى مَعَهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَبْسٌ وَلَا شَكٌّ لِجَاهِلٍ، وَلَا عَالِمٍ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ) . قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْبُغَاةُ هُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغُونَ خَلْعَهُ أَوْ مَنْعَ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ أَوْ تَبْغِي مَنْعَ حَقٍّ وَاجِبٍ بِتَأْوِيلٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ الْمُحَارِبِينَ وَيَفْتَرِقُ قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يَقْصِدُوا بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلَ أَسْرَاهُمْ، وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ، وَلَا نُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ، وَلَا تُحْرَقُ عَلَيْهِمْ الْمَسَاكِينُ وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهُمْ وَيَمْتَازُ قِتَالُهُمْ عَنْ قِتَالِ الْمُحَارِبِينَ بِخَمْسَةٍ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ وَيُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ أَحْوَالِهِمْ، وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَالَ إنْ وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا أَوْ أَخَذُوا الزَّكَاةَ أَوْ أَقَامُوا حَدًّا نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلَّهُ لِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ قُلْت بَلْ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: (الْأَوَّلِ) أَنْ يَطَّرِدَ الْغَالِبُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُهُ الثَّالِثِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ النَّادِرِ مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَإِلَّا قُدِّمَ عَلَى الْغَالِبِ عَمَلًا بِالتَّرْجِيحِ لِتَعَيُّنِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ
(الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ إذَا اجْتَمَعَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ فَهَلْ يُغَلَّبُ الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِي الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ بَلْ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا قُدِّمَ حُكْمُ الْعَادَةِ، وَالْغَالِبُ قَطْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَاءُ الْهَارِبُ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ
(الثَّانِي) أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ، وَالْغَالِبِ فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ قَطْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ بِالْوُضُوءِ، وَلَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَجْرَوْهُمَا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِالنَّجَاسَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ، وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ، وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى
(الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ مُتَعَيَّنٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِذَا جَزَمَتْ بِذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الضَّابِطَ فِيمَا يَجْرِي قَوْلَانِ فِيهِ، وَمَا لَا يَجْرِيَانِ فِيهِ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ حُجَّةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُقَدَّمُ الْأَصْلِ قَطْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرَ، وَالْغَالِبُ حُجَّةٌ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ الْعُرْفَ أَوْ الْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ أَمْرُهَا فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ قَطْعًا، وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ، وَالْغَالِبُ قَطْعًا، وَتَارَةً يَخْرُجُ الْخِلَافُ هَلْ يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ لَا أَوْ الظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوَّلًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ
(الْأَوَّلُ) مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ قَطْعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُ الْبَيِّنَةِ، وَهِيَ حُجَّةٌ وَكَالْيَدِ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ
(الثَّانِي) مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ أَوْ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ وَكَانَ الْحَرَامُ مَغْمُورًا أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مُحَرَّمُهُ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَأَشْبَهَتْ مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِالِاجْتِهَادِ قَطْعًا
(الثَّالِثُ) مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إتْيَانِهِ بِهِ وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَكَاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا، وَكَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا، وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِيقَاعِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ، وَلِهَذَا يُقَالُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّوْكِيدِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ
(الرَّابِعُ) مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنْ كَانَ مَعَ بُعْدِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِ مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي