. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا فَاَلَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا وَالصَّابِئَةُ يَعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنْ عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِجَيْشِ الْكُفْرِ فَيَقْتُلُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ.
فَهَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ أَوْ يَصْنَعُهُ مَحَبَّةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْمَلِكِ مَعَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا.
قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ
(الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الْآيَةَ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ
(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَثَمَانِيَةٌ
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَأَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَ مُقَامَ الرَّجُلَيْنِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فَقَطْ إذْ لَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِجَوَازِهِمَا مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فَيَكُونَانِ مُرَادَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لِوُجُودِ الِاسْمِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الرَّفْعِ فِي لَفْظِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِلَّا لَقَالَ فَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدَانِ رَجُلَيْنِ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ تَقْدِيرُهُ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِحَذْفِ الْخَبَرِ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] أَطْلَقَ، وَمَا خَصَّ مَوْضِعًا فَيَعُمُّ جَوَابُهُ أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُرْتَبِطٌ بِأَوَّلِهَا، وَأَوَّلُهَا {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الْعُمُومَ خَصَّصْنَاهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى جِرَاحِ الْقَوَدِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ أَعْلَاهَا الزِّنَا، وَأَدْنَاهَا السَّرِقَةُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُقْبَلُ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْأَبْدَانُ أَعْلَى مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَحَدُّ الْخَمْرِ لَيْسَ ثَبْتًا بِالنَّصِّ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِيهِ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ قِيَاسُهَا عَلَى الطَّلَاقِ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا أُمُورٌ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَتُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ كَالْأَمْوَالِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا كَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النِّكَاحَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ لِاشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ وَالْهِبَةُ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ عَقْدُ مَنَافِعَ فَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ كَالْإِجَارَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَالُ
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْخِيَارَ وَالْآجَالَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا، وَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ صُوَرِ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا أَيْضًا الْمَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْخِيَارَ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالِ
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الطَّلَاقَ رَافِعٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ فَأَشْبَهَ الْإِقَالَةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ، وَالنُّكُولِ
(وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّهُ أَيْ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَالرَّضَاعِ
(وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَأَيْضًا مَآلُ الْعِتْقِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَكَوْنُهَا دَافِعَةً أَوْ جَالِبَةً، وَدَلِيلُ قَبُولِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ بِالتَّحَالُفِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ، وَيَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَفْسَخُ