مَالِكٌ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَقَضَى بِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ شَهِدَتْ بِغَصْبِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَحُدُّوهَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي حَدِّدْ مَا غُصِبَ مِنْك، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْحَقِّ، وَقَالَتْ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ قِرْ بِحَقٍّ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ فَتُعْطِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك غَيْرَهُ فَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته احْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ فَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ أَعْرِفُهُ، وَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ سُجِنَ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِالشَّيْءِ، وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ أُخِذَ الْمُقِرُّ بِهِ، وَحُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُحِسُّ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى.
وَعَنْ مَالِكٍ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِنِسْيَانِ الْعَدَدِ وَجَهْلِهِ لِأَنَّهُ نَقْضٌ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الْبَاجِيَّ نِسْيَانُ بَعْضِ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَّا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالْحِسّ الْإِقْرَارُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ حِفْظُهُ بَلْ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ سِجِلَّاتُ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُ حِفْظُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنَّ النَّفْيَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَفْرُسٌ، وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَ الْقَطْعِ مَطْلَبٌ آخَرُ (وَالثَّانِي) نَحْوَ الشَّهَادَةِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسُ، وَحَصَرُ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ، وَحُصُولُ وَارِثٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَمِنْ هَاهُنَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَمِنْهَا قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ آخِرُهُ وَاوٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ نَحْوُ أَنَّ زَيْدًا مَا وَفَّى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مَا بَاعَ سِلْعَتَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا أَمْسِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ فَهَذِهِ كُلُّهَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ بِالنَّفْيِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ، وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنْ نَقُولَ إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَمَّا أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَلِأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إذَا قُطِعَ ذَنَبُ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَلِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ وَبُزَاتِهِ، وَبِدَبْغِ جِلْدِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ دِبَاغٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ عَادَةً فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ مُضَافٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْهَا، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عَمَلًا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُوجِبِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَسَلًا وَشَيْرَجًا وَنَشًا فَعَقَدَ الْجَمِيعُ فَالُوذَجًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بَلَلًا فَاحِشًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ التَّقَرُّبِ فِي الْأَوَّلِ بِالْعِتْقِ وَبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي لَكِنْ جُلُّ الْمَقْصُودِ ذَهَبَ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَكَمَا أَنَّهُ فِي الْآبِقِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْعَيْنِ، وَفِي الْحِنْطَةِ أَفْسَدَهَا عَلَيْهِ نَاجِزًا بِالْبَلَلِ لِتَدَاعِي الْفَسَادِ إلَيْهَا بِهِ كَذَلِكَ صُورَةُ النِّزَاعِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، وَأَفْسَدَهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا مَعَ إمْكَانِ تَجْفِيفِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِهَا سَوِيقًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالِاعْتِدَاءُ حَصَلَ فِي الْبَعْضِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْبَعْضِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ مُقْتَضَى أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَلْ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ أَنْ تَكُونَ الْجَنَابَةُ فِي بَغْلَةِ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ مِثْلُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فِي عَدَمِ لُزُومِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ بَلْ الْبَعْضِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ التَّرَّابِ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْحَطَّابِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ مَعَ تَعَذُّرِ بَيْعِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمِيرِ وَالْقَاضِي فَإِنَّهُمَا لَا يَلْبَسَانِ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَطْعِ الْيَسِيرِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَمِيرِ نَفْسِهِ أَوْ أَنْفَ الْقَاضِي لَمَا اخْتَلَفَتْ الْجِنَايَةُ فَكَيْفَ بِدَابَّتِهِ مَعَ أَنَّ شَيْنَ الْقَاضِي بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَشَدُّ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَعْوَرَّ فَرَسُ الْجَانِي كَمَا عَوِرَ فَرَسُهُ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا. (الثَّانِي) أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] أَيْ أَنْفُسَكُمْ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَنْفُسَنَا لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْأَنْفُسِ، وَعَنْ الثَّانِي بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الدَّارَ جُلُّ مَقْصُودِهَا حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْفَرَسِ. (الثَّانِي) أَنَّا لَا نُسَلِّمُ قَوْلَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ التَّقْوِيمُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَلْ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّابَّةَ الصَّالِحَةَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْفَسُ قِيمَةً لِعُمُومِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَلِتَوَقُّعِ