وَالْمُضَارِعُ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ جَازَ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَارَ مَوْضُوعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ فَتَلَخَّصَ لَك أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَاشِئٌ عَنْ الْعَوَائِدِ، وَتَابِعٌ لَهَا، وَأَنَّهُ يَنْقَلِبُ وَيُنْتَسَخُ بِتَغَيُّرِهَا وَانْتِقَالِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ خَفَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ الشَّهَادَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الشَّهَادَةُ قِسْمَانِ تَارَةٌ يَكُونُ مَقْصِدُهَا مُجَرَّدُ الْإِثْبَاتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ وَنَحْوُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ الْمَقْصُودُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ الْحَصْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ لَا يَكْفِي أَنَّهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولُوا فِي حَصْرِ الْوَرَثَةِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الدَّارُ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ حَتَّى يَقُولُوا، وَلَا نَعْلَمُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ حَتَّى يُحْكَمَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ.

فَإِنْ قَالُوا هَذَا وَارِثٌ مَعَ وَرَثَةٍ آخَرِينَ أَعْطَى هَذَا نَصِيبَهُ وَتَرَكَ الْبَاقِيَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ يَدِهِ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يُقِرُّ لَهُ بِهَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، وَعَنْ مِلْكٍ يُنْزَعُ مِنْ الْمَطْلُوبِ.

وَيُوقَفُ لِتَيَقُّنِهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُ عَدَدَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَقْضِ لِهَذَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَسْمِيَةِ الْوَرَثَةِ، وَتَبْقَى الدَّارُ بِيَدِ صَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَدُ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَتَشْوِيشِ الْأَحْكَامِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَقُولُ فُلَانٌ وَارِثٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ لَهُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا يَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالنَّفْيِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ يَقُولُ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ، وَلَا وَهَبَ قَالَهُ مَالِكٌ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ إلَّا الْجَزْمُ بِأَنْ يَقُولَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِغَيْرِ الْجَزْمِ لَا تَجُوزُ قَالَ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَظْهَرُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يَقُولَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِي، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْقَرَارُ، وَاسْتُصْحِبَ مُوجِبُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ نُزِعَ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ تَحْقِيقٍ فَيُسْتَصْحَبُ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ هُوَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ بِشِرَاءٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ لَمْ يُفِدْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَعَلَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الْيَدِ، وَلَوْ اُدُّعِيَتْ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالسَّبَبِ لَمْ يَضُرَّ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ وَلَمْ يَحُدُّوهَا وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ، وَلَمْ يَحُدُّوهَا، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبِيَّةَ وَضْعِ الْيَدِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا بُدَّ لِسَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْيَدِ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ بَلْ اسْتِصْحَابُهَا، وَاسْتِصْحَابُ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِدَلِيلِ نَظَائِرَ: (مِنْهَا) أَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّكَاحِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الطَّلَاقَ يُوجِبُ تَرَتُّبَ الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ، وَاسْتِصْحَابُهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً. (وَمِنْهَا) وَضْعُ الْيَدِ عُدْوَانًا يُوجِبُ التَّفْسِيقَ، وَالتَّأْثِيمَ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَأْثَمْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَفْسُقْ. (وَمِنْهَا) ابْتِدَاءُ الْعِبَادَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ، وَغَيْرُهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَدَوَامُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ لَا سِيَّمَا، وَسَبَبُ الضَّمَانِ هُوَ الْأَخْذُ عُدْوَانًا، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْد زَمَن الْأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاوَلَةِ، وَالْحَرَكَاتُ الْخَاصَّةِ لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَنْفِيٌّ فِي زَمَنِ الِاسْتِصْحَابِ قَطْعًا، وَنَحْنُ إنَّمَا نَضْمَنُهُ الْآنَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ لَا بِمَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هِيَ يَوْمَ الْغَصْبِ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَتْ الْمَذَاهِبُ وَتَشَعَّبَتْ الْآرَاءُ، وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا إذَا ذَهَبَ جُلُّ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ ذَلِكَ إلَّا مَا نَقَصَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا فِي الْأَكْثَرِ فِي أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ النِّصْفُ أَوْ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَ، وَقَالَ فَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا النَّقْصَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ مَعًا، وَعَلَيْهِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالرُّكُوبِ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَيْضًا فَيَضْمَنُ رُبْعَ الْقِيمَةِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُوَافِقُنَا فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ، وَأَخْذِ الْقِيمَةِ كَامِلَةً وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ قَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ خِلَافُهُمْ فِي الْمِلْكِ هَلْ يُضَافُ لِلضَّمَانِ وَسَبَبِهِ مَعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فَلِذَا قَالَ الضَّمَانُ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّغْلِيطِ لَا سَبَبٌ لِلرِّفْقِ أَوْ يُضَافُ لِلضَّمَانِ فَقَطْ لَا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُنَا وَعَلَيْهِ فَالضَّمَانُ قَدْرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015