الْحُكْمَ، وَتَرْكُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لَيْسَ فِسْقًا، وَتَرْكُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَعَنْ الثَّامِنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخَذَ الْفَرَسَ قَهْرًا مِنْ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ حَكَمَ أَمْ لَا، وَهَلْ جَعْلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَتَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ مُبَالَغَةً فَمَا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سُمِّيَ خُزَيْمَةُ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ مُبَالَغَةً لَا حَقِيقَةً، وَعَنْ التَّاسِعِ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ بِالْعِلْمِ نَفْيًا لِلتَّسَلْسُلِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْجَرْحِ أَوْ التَّعْدِيلِ، وَتَحْتَاجُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةً أُخْرَى إلَّا أَنْ يُقْبَلَ بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ قَدْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا، وَإِلَّا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْ نَقْضِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ تَرَكَ شَهَادَتَهُ وَتَفْسِيقَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُولَى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ إذَا حَكَمَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ أَوْ فِيهِ فَلِلْقَاضِي الثَّانِي نَقْضُهُ فَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بَعْدَ جُلُوسِهِمَا لِلْحُكُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُحْكَمُ بِهِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحْكَمُ بِهِ فَلَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُبَاحَ هَذَا الْيَوْمُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ، وَاخْتَلَفَ إذَا حَكَمَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَرَى أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ قَاضِيًا لَمْ يُعْزَلْ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْقُضُهُ هُوَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ رَأْيِهِ، وَقِيلَ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ الْأَوَّلُ شَيْئًا، وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُؤَدِّي مَعَ فَسَادِ حَالِ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ كُلَّهُمْ حِينَئِذٍ يَدَّعِي الْعَدَالَةَ فَيَنْقُضُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الذَّرِيعَةِ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ قُلْت فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ يُنْقَضُ.
وَإِنْ كَانَ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ فِي النَّقْضِ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَاَلَّذِي يُنْقَضُ بِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ فَالْحُكْمُ وَقَعَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ يُنْقَضُ فَيَنْقُضُهُ لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا نَقْضُ الْحُكْمِ إذَا وَقَعَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَقْضِهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ هُوَ بِدْعَةٌ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدِي الْقَوْلُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا أَيْ، وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي سَبَبٍ يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ الشِّهَابُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
قُلْت وَفِي قَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذْ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَخَرَجَ ذَلِكَ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ عَنْ حَدِّ الْإِنْسَانِ ضَرُورَةً إلَخْ نَظَرٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النُّطْقِ هُوَ الْعَقْلُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِمْ الْعُقَلَاءُ ثَلَاثَةٌ الْإِنْسَانُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَالْحَقُّ كَمَا فِي شَرْحِ الزُّلْفَى وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاطِقِ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ مَا هُوَ مَبْدَأُ النُّطْقِ، وَالتَّكَلُّمِ أَوْ الْإِدْرَاكُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي هُوَ الصُّورَةُ النَّوْعِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ اهـ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَوْهَرٌ عِنْدَ الْمَشَّائِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَرْتَبَةٍ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ عَلَى مَا حُقِّقَ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ الْإِنْسَانِ كَمَا فِي رِسَالَتِي السَّوَانِحِ الْجَازِمَةِ فِي التَّعَارِيفِ اللَّازِمَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إذْ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَخَرَجَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ النُّطْقُ بِمَعْنَى الصُّورَةِ النَّوْعِيَّةِ بِالْفِعْلِ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ مَعَ أَنَّ مَنْ شَرَطَ عِنْدَ أَرْبَابِ عِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَهُمْ الْحُكَمَاءُ لِأَنَّهُ إمَّا جُزْءٌ مِنْ الْحِكْمَةِ أَوْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا كَمَا قَالُوا أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَاهِيَّةِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهَا فِي الْخَارِجِ، وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَمَنْ تَرَاهُمْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِمْ الْكُلِّيِّ بِمَا يَمْنَعُ نَفْسَ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَصَوَّرُ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِحَيْثُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ يَقُولُونَ سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَفْرَادُهُ فِي الْخَارِجِ، وَتَنَاهَتْ كَالْكَوْكَبِ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ السَّيَّارَةُ وَالثَّوَابِتُ وَالسَّيَّارَةُ سَبْعَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ:
زُحَلُ شَرُّ مِرِّيخِهِ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدٍ الْأَقْمَارُ
وَعَدَدُ الْمَرْصُودِ مِنْ الثَّوَابِتِ ذُكِرَ فِي الْهَيْئَةِ، وَالسَّيَّارَةُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي تِلْكَ، وَالثَّوَابِتُ كُلُّهَا فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ كَمَا حُقِّقَ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ أَمْ وُجِدَتْ فِيهِ، وَلَمْ تَتَنَاهَ كَكَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَفْرَادَهُ مَوْجُودَةٌ قَدِيمَةٌ لَا تَتَنَاهَى، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ عَدَمِ التَّنَاهِي فِي الْقَدِيمِ أَمْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ أَمَّا مَعَ امْتِنَاعِهَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِهَا كَجَبَلٍ مِنْ يَاقُوتٍ وَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ أَمْ وُجِدَ مِنْهَا فَرْدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ أَمَّا مَعَ امْتِنَاعِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَالْإِلَهِ عِنْدَ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْعِلْمِيَّةُ إذْ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ قَطَعَ عَنْهُ عِرْقَ الشَّرِيكِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الْعَقْلِ لَمْ يَمْتَنِعْ صِدْقُهُ عَلَى كَثِيرِينَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى دَلِيلِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَمَّا