تَرَتُّبَ الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ.
وَاسْتِصْحَابُهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً، وَوَضْعُ الْيَدِ عُدْوَانًا يُوجِبُ التَّنْسِيقَ وَالتَّأْثِيمَ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَأْثَمْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَفْسُقْ، وَابْتِدَاءُ الْعِبَادَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ، وَغَيْرُهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَدَوَامُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ لَا سِيَّمَا، وَسَبَبُ الضَّمَانِ هُوَ الْأَخْذُ عُدْوَانًا، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَنِ الْأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاوَلَةِ، وَالْحَرَكَاتُ الْخَاصَّةُ لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَنْفِيٌّ فِي زَمَنِ الِاسْتِصْحَابِ قَطْعًا.
وَنَحْنُ إنَّمَا نُضَمِّنُهُ الْآنَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ لَا بِمَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ يَوْمَ الْغَصْبِ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا ذَهَبَتْ جُلُّ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ فَرْعٌ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، وَتَشَعَّبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ، وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا فِي الْأَكْثَرِ فَإِذَا ذَهَبَ النِّصْفُ أَوْ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَ فَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا النَّقْصَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ فَقَطْ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَيَضْمَنُ أَيْضًا رُبْعَ الْقِيمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا مَا نَقَصَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ، وَأَخْذَ الْقِيمَةِ كَامِلَةً وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَصْلُ هَذَا الْفِقْهِ أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّغْلِيطِ لَا سَبَبُ لِلرِّفْقِ وَعِنْدَنَا الْمِلْكُ مُضَافٌ لِلضَّمَانِ لَا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ، وَغَيْرِهِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَنَا وُجُوهٌ
(الْأَوَّلُ) أَنْ تَقُولَ إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَمَّا إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَلِأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إذَا قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ.
وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَلِأَنَّ إذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ، وَبُزَاتِهِ، وَبِدَبْغِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) الْقَرَابَةُ لِلْمُكَلَّفِ تُوجِبُ بِرَّهُمْ بِدَفْعِ مَالِهِ لَهُمْ إذَا كَانَ غَيْرُ زَكَاةٍ وَتُوجِبُ مَنْعَهُمْ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَمِنْهَا أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ إذَا كَانَ غَيْرَ زَكَاةٍ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ، وَمِنْهَا الْجَهَالَةُ وُجُودُهَا يُوجِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِحِ الْعُقُودِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ مَانِعَةً، وَيُوجِبُ فِي قِسْمٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا.
وَفِي الْجَعَالَةِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ عَقْدِ ذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الْإِجَارَاتِ وَعَقْدِ الْجَعَالَةِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ شَرْطًا بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ فَسَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا بَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ مَصْلَحَتُهُ وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي الْجَعَالَةِ مَحْدُودًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ فَلِذَا كَانَ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْجَعَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ فِي فَصْلِ وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَائِقٍ مَا نَصُّهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّلَ عَمَلُ الْجُعْلِ بِأَجَلٍ، وَلَا يُقَدَّرُ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ سَعْيُهُ بَاطِلًا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَقَوِيَ الْغَرَرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ مَعَ الْأَجَلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَخَفَّ بِذَلِكَ الْغَرَرُ.
وَقَالَ فِيمَا مَرَّ فَالْجَعَالَةُ تُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ وُجُوهٍ (فَمِنْهَا) إنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ يُفْسِدُهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَجْهُولُ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ أَجَلٍ، وَمِنْهَا أَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ اهـ.
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ.
وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ: