يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَحْقِيقُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْوَكِيلِ، وَمَقْصُودُ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا وَاللِّعَانِ إظْهَارُ الصِّدْقِ فِيمَا ادَّعَى، وَحَلِفُ زَيْدٍ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ مَقْصُودُهَا الْوُثُوقُ بِعَدَالَةِ الْمُتَحَمِّلِ، وَذَلِكَ فَائِتٌ إذَا أَدَّى غَيْرُهُ، وَمَقْصُودُ الْمَعَاصِي إعْدَامُهَا فَلَا يُشْرَعُ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِأَنَّ شُرُوعَ التَّوْكِيلِ فِيهَا فَرْعُ تَقْرِيرِهَا شَرْعًا فَضَابِطُ الْفَرْقِ أَنَّ مَقْصُودَ الْفِعْلِ مَتَى كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا.
(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ)
أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ الضَّمَانُ، وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ. (أَحَدُهَا) التَّفْوِيتُ مُبَاشَرَةً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَثَانِيهَا) التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَوَضْعِ السَّمُومِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَوُقُودِ النَّارِ بِقُرْبِ الزَّرْعِ أَوْ الْأَنْدَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُهُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُفْضِيَ غَالِبًا لِلْإِتْلَافِ. (وَثَالِثُهَا) وَضْعُ الْيَدِ غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ فَيَنْدَرِجُ فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ يَدُ الْغَاصِبِ، وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ الْقَبْضِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ مِنْهُ لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ، وَيَدُ الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَنَحْوِهَا، وَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ يَدُ الْمُودَعِ، وَعَامِلِ الْقِرَاضِ، وَيَدُ الْمُسَاقِي، وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ أُمَنَاءُ فَلَا يَضْمَنُونَ، وَإِنَّمَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ، وَحَدُّ السَّبَبِ مَا يُقَالُ عَادَةً حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطٍ، وَالتَّسَبُّبُ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مَحَلٍّ عُدْوَانًا فَيَتَرَدَّى فِيهَا بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَإِنْ أَرَادَهَا غَيْرُ الْحَافِرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، وَيَضْمَنُ الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ سَبَبٌ، وَفَاتِحُ الْقَفَصِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَيَطِيرُ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَحِلُّ دَابَّةً مِنْ رِبَاطِهَا أَوْ عَبْدًا مُقَيَّدًا خَوْفَ الْهَرَبِ فَيَهْرُبُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ سَوَاءٌ كَانَ الطَّيَرَانُ أَوْ الْهَرَبُ عَقِيبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَتْرُكُ الْبَابَ مَفْتُوحًا، وَمَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ.
وَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّمْنَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثَّمَنِ فَيَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ.
وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْرٌ يَكُونُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةُ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ، وَكُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَيَسْتَحِقُّ الرُّبْعَ فَظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ أَنَّ هُنَاكَ قَاعِدَةً إنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَعْنِي: مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالصُّنْدُوقِ مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْهُمَا فَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ:
فَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا ... كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
اهـ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ)
وَهُوَ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ يَضْمَنُ الْأُجَرَاءُ الْمَهْلُوكَ فِي قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا غَرَّرُوا فِيهِ بِضِعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَثَرِ التَّفْرِيطِ، وَلَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءَ التَّعَدِّي (وَثَانِيهِمَا) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَضْمَنُونَهُ فِي ثَلَاثِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يُغَرِّرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ