تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَمَانٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بُعْدُ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَلَا يُوصَفُ الْخَبَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا بِالْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ مَا يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ عَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ وَالْمَاضِي.
وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا، وَنَحْنُ مَتَى حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ نَحْوِ قَوْلِنَا فِي الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ أَوْ نَحْوُهُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ، وَالنُّطْقِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَمَانٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بَعْدُ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَلَا يُوصَفُ الْخَبَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا بِالْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدَمَا يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ عَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ، وَالْمَاضِي، وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمُهَا)
قُلْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يُخَالِفُوا الْأَوَّلَ فِي كَوْنِ الْكَذِبِ لَا يُدْخِلُ الْوَعْدَ، وَلَكِنَّهُمْ عَيَّنُوا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَبَسَّطُوهُ، وَمَسَاقُ الْمُؤَلِّفِ لِقَوْلِ هَؤُلَاءِ مَفْصُولًا عَنْ قَوْلِ أُولَئِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَنَحْنُ مَتَى حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ أَوْ نَحْوُهُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ، وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ) قُلْت مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ مُشْعِرٌ بِجَهْلِهِ بِالْحُدُودِ وَقَصْدِ أَرْبَابِهَا فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ حُصُولَ الْوَصْفِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ الطِّفْلَ الرَّضِيعَ عِنْدَهُمْ إنْسَانٌ مَعَ أَنَّ النُّطْقَ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ فِيهِ مَفْقُودٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ حَيْثُ قَالَ وَإِلَّا لَكَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ مُشْعِرٌ بِجَهْلِهِ بِمَذْهَبِ أَرْبَابِ الْحُدُودِ، وَهُمْ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقَائِقِ، وَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ فَلَا تَقْبَلُ حَقِيقَةٌ مِنْهَا صِفَةَ الْأُخْرَى فَالْحَيَوَانُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا، وَالْجَمَادُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ (هَذَا التَّعْلِيلَ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُشْعِرُ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ) قُلْت، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْحُدُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ، وَمَنْ تَعَدَّى فَزَرَعَ أَرْضَ رَجُلٍ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ إبَّانَ الزَّرْعِ، وَقَدْ كَبِرَ الزَّرْعُ وَاشْتَدَّ فَأَرَادَ قَلْعَ الزَّرْعِ، وَقَالَ أُرِيدُ أُكْرِيهَا مَقْثَأَةً أَوْ أَزْرَعُهَا بَقْلًا، وَهِيَ أَرْضُ سَقْيٍ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ إبَّانِ الزَّرْعِ إلَّا كِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَرْضَ سَقْيٍ يُنْتَفَعُ بِهَا لِمَا ذَكَرْت، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفُتْ إبَّانُ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَلَبَهَا، وَالْكِرَاءُ لَهُ عِوَضٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَأَشَارَ لِقَسِيمِ قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ، وَهُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ أَيْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ مَقْلُوعًا تَقْدِيرًا، وَيُبْقِيهِ فِي الْأَرْضِ، وَيَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا عَنْهُ كُلْفَةُ قَلْعِهِ أَنْ لَوْ قُلِعَ حَيْثُ كَانَ الْغَاصِبُ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ فِي بِنَاءِ الْغَاصِبِ وَغَرْسَةِ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا فَإِذَا كَانَ شَأْنُهُ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِ كُلْفَةِ قَلْعِهِ لَوْ قُلِعَ، وَكَمَا لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا لَهُ إبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ، وَأَخْذُ كِرَاءِ السَّنَةِ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَيْ بَلَغَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ، وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَائِهَا مِنْهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمَّا مَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا شَيْءٍ وَإِبْقَاءٍ لِزَارِعِهِ بِكِرَاءٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْكِرَاءُ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عُدَّ مُنْتَقِلًا كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ فَكِرَاءُ مِثْلِهَا فِي السَّنَةِ لَازِمٌ لِلْغَاصِبِ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَقَالَ مَالِكُ الزَّرْعِ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ قَلْعُهُ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَيَأْخُذَ أَرْضَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْأَرْضُ، وَإِنْ طَابَ وَحُصِدَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ زَرْعٍ أَرْضًا لِقَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ لَكِنْ الثَّالِثَةُ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْفَتْوَى بِهَا بِذَلِكَ، وَأُجِيبَ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ بِأَنَّ التَّشْدِيدَ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُحْدِثِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ مَأْلُوفٌ مِنْ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ فَوَاتُ الْإِبَّانِ بِالنَّظَرِ إلَى زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا