وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، وَفِي أَبِي دَاوُد قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَالْكَذِبُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ الْوَعْدُ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ عَكْسُ الْأَدِلَّةِ الْأُوَلِ، وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا الْكَذِبَ بِالْخَبَرِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ لَزِمَ دُخُولُ الْكَذِبِ فِي الْوَعْدِ بِالضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، وَكَذَلِكَ التَّأْثِيمُ فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرَ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَّا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ) قُلْت لَمْ يَقْصِدْ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي فِيهِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْوَعْدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَأَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ اضْطِرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا قَائِمٌ، وَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ الْجُنَاحَ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ وَفَّى فَلَا جُنَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُخْتَارًا فَالظَّوَاهِرُ الْمُتَظَاهِرَةُ قَاضِيَةٌ بِالْحَرَجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ) .
قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْوَعْدِ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِمَّا وَعَدَ بِهِ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْوَفَاءِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ فَسَوَّغَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.
قَالَ (وَفِي أَبِي دَاوُد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» إلَى قَوْلِهِ عَكْسُ الْأَدِلَّةِ الْأُوَلُ) قُلْت تُحْمَلُ هَذِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَعَ بُعْدِ تَأْوِيلِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ، وَقُرْبِ تَأْوِيلِ هَذِهِ قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا الْكَذِبَ بِالْخَبْرِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ لَزِمَ دُخُولُ الْكَذِبِ فِي الْوَعْدِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ التَّأْثِيمِ) قُلْت يَلْزَمُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ قَالَ (فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ، وَنَحْوِهَا) قُلْت قَوْلُهُمْ ذَلِكَ دَعْوَى يُكَذِّبُهَا دُخُولُ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْوَعْدِ وَفِي كُلِّ مُسْتَقْبَلٍ سِوَاهُ
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ لَا يُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ وَالْغَاصِبُ، وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَسْتَحْصِلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِذَا أَعْطَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ أَوْ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ اللَّذَيْنِ لَا قِيمَةَ لَهُمَا بَعْدَ الْإِزَالَةِ بِالْقَلْعِ أَوْ الْهَدْمِ فَهُوَ يُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ شَرْعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى وَاضِعِهَا شَرْعًا، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ فَيُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ لَا لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ، وَفِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ مَعَ شَرْحِ عبق وَإِنْ زَرَعَ غَاصِبُ أَرْضٍ أَوْ مَنْفَعَتِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ أَيْ أَقَامَ مَالِكُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ بَذْرِهِ أَوْ أُجْرَةِ حَرْثِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِأَخْذِهِ إنْ شَاءَ مَجَّانًا، وَنَصُّ التَّوْضِيحِ إنْ أَقَامَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَفِي اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، وَقَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يَأْخُذَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا ذَرِيعَةٍ اهـ.
وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ كَمَا يَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَإِلَّا بِأَنْ بَلَغَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَوْ لِرَعْيِ الْبَهَائِمِ فَلَهُ أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ بِهِ قَلْعُهُ أَيْ أَمْرُهُ بِذَلِكَ، وَبِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ شَرْطًا فِي قَوْلِهِ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ فَلَهُ قَلْعُهُ فَقَالَ إنْ لَمْ يَفُتْ أَيْ إبَّانَ مَا أَيْ زَرْعٍ تُرَادُ لَهُ مِمَّا زُرِعَ فِيهَا كَمَا حَمَلَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ