(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ) فَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ، فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَمَنَعَ بَيْعَ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ، وَالرَّابِعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الذَّوَاتِ وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالذَّاتِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ (وَجَوَابُهُ) إنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» (وَجَوَابُهُ) الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) إنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا (وَجَوَابُهُ) إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَنَشْتَرِطُ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ
(الْأَمْرُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمْرَانِ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ (وَجَوَابُهُ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعَ الْمَجْهُولِ (وَجَوَابُهُ) بِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ اهـ. أَيْ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّلَمِ فِيهِ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَيْ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ وَمَالِكٌ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْمَبِيعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهُمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ فَأَعْلَمَهُ اهـ.
وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَمَّا فَقَدَ شَرْطًا أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ عَلَى مَا حَقَّقْته وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي قَدَّمْته فَتَحَقَّقَ الثَّلَاثَةُ الشُّرُوطُ الَّتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ أَوْ هَذَا الشَّرْطُ فَقَطْ وَعَدَمُ تَحَقُّقِ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْأَصْلُ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ وَالسَّلَمِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ يَصْدُقُ مُسَمَّاهُ لُغَةً عَلَيْهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ