الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ وَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا
(الشَّرْطُ الْخَامِسُ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا
(الشَّرْطُ السَّادِسُ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْبَيْعُ جُزَافًا وَمَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ جُزَافًا
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ فَافْهَمْ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ أَيْ مَعَ صِفَاتِ الْمَقْصُودَةِ فِيمَا كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلَّةً بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْعُ بَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ وَالرَّابِعُ إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَمَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَوَافَقَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى الْجَوَازِ إذَا أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُمَا أَلْزَمَا الْبَيْعَ إذَا رَآهُ مُوَافِقًا وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمُنِعَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِحَّةَ بَيْعِ الْغَائِبِ بِالصِّفَةِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصِّفَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُوجِبُهَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا مُطْلَقًا اهـ، وَقَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَبِيعٍ غَائِبٍ أَوْ مُتَعَذِّرِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ صِفَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا اهـ.
لَكِنْ قَالَ عبق أَوْ أَبَاعَهُ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا تَقَدُّمُ رُؤْيَةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَعُدَ جِدًّا اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وضيح مَا نَصُّهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمَا إنَّ ذَلِكَ مَعَ الصِّفَةِ.
وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. وَتَبِعَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا مَا نَصُّهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَهُ اهـ.
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا اهـ. كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ بِلَفْظِهِ فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْبُعْدِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْخِيَارِ الَّذِي مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ وَجْهِ مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَحَالِّهَا وَعَبَثٌ وَأَفْعَالُ الْعُقَلَاءِ تُصَانُ عَنْهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ الْحَاضِرِ بِخِيَارٍ لَهُمَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ أَشَارَ إلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ الْمَجْعُولِ لَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهَا غَرَرٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهَا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِاخْتِيَارِهِمَا فَعَلَاهُ لِمَصْلَحَةِ التَّرَوِّي وَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ قَادِرَانِ عَلَى بَتِّهِ وَإِمْضَائِهِ وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ تَمْضِي بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا وَهُمَا قَادِرَانِ فِيهَا عَلَى إبْرَامِهِ وَإِمْضَائِهِ فَالتَّأْخِيرُ حَقٌّ لَهُمَا لَا حَقٌّ لِلَّهِ فِيهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَهُمَا مَمْنُوعَانِ لِحَقِّ اللَّهِ مِنْ إمْضَائِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ فَافْتَرَقَا فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبُعْدِ جِدًّا وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْجَوَازِ فَتَنَبَّهْ قَالَ الْأَصْلُ وَحُجَّةُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَعَةُ أُمُورٍ
(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) إنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ