فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَفَرَّقَ هُوَ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ وَإِبَاحَةِ لَبَنِهِ هُوَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ الرَّضَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ وَمَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَوْجِيهٌ وَتَرْجِيحٌ لَا كَلَامَ فِيهِ مَعَهُ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْبَائِعِ
(ثَانِيهَا) فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا فِيهِ فَيُفْسَخُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُخْبِرْ الْمُصْطَرِفُ
(ثَالِثُهَا) فِي غَيْرِ الْوَقْفِ.
وَأَمَّا فِيهِ فَبَاطِلٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا وَاقِفِهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ وَلِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيد إصْلَاحَهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ لِمِلْكِ غَيْرٍ أَيْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ لَزِمَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَشْهَدَ أَنَّ الشِّرَاءَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي لَهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي لَهُ مَالَهُ وَلَمْ يُجِزْ الشِّرَاءَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا صُدِّقَ الْبَائِعُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي لَهُ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ اهـ.
وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَالتَّاوُدِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وكنون فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَصْلُ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إلَخْ قَوْلُ الْأَصْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ الْآتِي وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] لَكِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي أَيْ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ كَبَيْعِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَبَيْعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ اهـ. يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ، بَلْ قَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ قَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَعِ أَيَّامَ الْخِيَارِ حَتَّى يَخْتَارَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَعْنَى نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ اهـ.
وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ بِأَنَّ حَالَةَ الصُّحْبَةِ أَوْجَبَتْ الْإِذْنَ بِلِسَانِ الْحَالِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِلْإِبَاحَةِ وَنَفْيِ الْإِثْمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا اهـ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ
(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا بَيْعَ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَاعِدَةُ أَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ لَهَا وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ (الْحَدِيثِ) بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَازِمٌ فِيمَا إلَخْ قُلْنَا بِمُوجِبِهِ وَإِنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْهَا صَحِيحٌ فِيمَا إلَخْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ» فِيهِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَعَنْ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ، وَعَنْ الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلَانِ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ لَا يَقْبَلَانِ الْإِيقَافَ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَقْبَلُ الْإِيقَافَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا)
فِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْجُزَافُ مُثَلَّثٌ الْجِيمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ اهـ. وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعَ الْجُزَافِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ اهـ.
فَقَوْلُهُ شَقَّ عِلْمُهُ يُرِيدُ فِي الْمَعْدُودِ وَقَلَّ جَهْلُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذْ لَا تُشْتَرَطُ الْمَشَقَّةُ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي اهـ. مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا عِبَارَةٌ عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطُ جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ كَانَ مِمَّا يُعَدُّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَوْنُهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ حَيْثُ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ.
وَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ