وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسَاجِدِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهِ عَبَثٌ وَفِي الْمُحَرَّمِ مُتَنَاقِضٌ وَفِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْغَيْرِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ فَيَمْتَنِعُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَيَقْبَلُ الْمَالِكُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ إمَّا صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا لَا يُؤَجَّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ» فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَإِمَّا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ)

وَهُوَ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ كَوْنِهِمَا تَعَلَّقَا وَنِسْبَةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمَحَلِّ وَجِهَة كَوْنِهِمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ فِي شَيْءٍ كَمَا سَيُفْتَحُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا تَعَلُّقٌ وَنِسْبَةٌ خَاصَّةٌ وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ فَيُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا

(إحْدَاهُمَا) أَنَّ الذِّمَّةَ أَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَازِمَةً لَهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَابِلًا شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةً لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ قَبُولٌ خَاصٌّ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ

(وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الذِّمَّةَ قَالَ الْأَصْلُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا أَيْضًا التَّمْيِيزَ وَالتَّكْلِيفَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ التَّمْيِيزَ فَقَطْ وَابْنُ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزَ مَعَ إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ تَصَرُّفُهُ بِدُونِ إذْنِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا اهـ. أَيْ حَتَّى تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَهُ كَمَا عَلِمْت فَبَيْنَ الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَنْفَرِدُ الذِّمَّةُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ بِهَا، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّهِ السَّبَبُ وَاللُّزُومُ وَتَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ.

وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ فِي حَقِّهِ وَتَنْفَرِدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عَنْ الذِّمَّةِ فِي الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ فَإِنَّ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْت وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ الذِّمَّةُ لُغَةً الْعَهْدُ؛ لِأَنَّ نَقْضَهُ يُوجِبُ الذَّمَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا وَصْفًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا ذَاتًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا نَفْسٌ لَهَا عَهْدٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ اهـ. بِلَفْظٍ كَمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ.

وَقَوْلُهُ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا مِنْ الطَّبَائِعِ الْمُلَازِمَةِ لِلْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِيَّةِ بِمَعْنَى مَبْدَئِيَّةِ النُّطْقِ وَالْإِدْرَاكِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ تَحَقُّقِهَا فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَانِعٌ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ وَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّمْيِيزُ دُونَ الْإِجَازَةِ وَالتَّكْلِيفِ وَدُونَ الْإِبَاحَةِ أَيْضًا عِنْدَنَا فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزُ مَعَ الْإِجَازَةِ دُونَ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ]

الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا)

يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَمْرَانِ

(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنَافِعِهَا فَمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015