مُتَتَابِعَيْنِ.

وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ مِنْ بَقَاءِ الْخَبَرِ خَبَرًا عَلَى حَالِهِ وَنَسْتَفِيدُ الْوُجُوبَ مِنْ قَوْله تَعَالَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ هَذَا بَعِيدٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بَقِيَ الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا الْمُكَلَّفُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا النَّاسِي وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمُكْرَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ فَرَّقُوا وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُمْ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَب الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ هَذَا وَجْهُ الْإِشْكَالِ.

وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُهُ فَالْكُلُّ مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَالَ لَهَا أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ

(الْأَوَّلُ) فِي الصِّيغَتَيْنِ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ فِي الْأُولَى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا مَا فِي الثَّانِيَةِ فَمَذْهَبُهُ الثَّانِي قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَأَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ مَانِعٌ مِنْ التَّرَدُّدِ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهَا حَالَةَ التَّرَدُّدِ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْأُولَى

(الثَّانِي) تَمَسُّكًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ

(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ

(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ

(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْهُ وَأَجَابَ الْأَصْلُ عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ بِالنِّكَاحِ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَوُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ أَيْ فَثَبَتَ الْفَارِقُ فَلَا قِيَاسَ وَبَطَلَتْ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّرْطِيَّةِ فَافْهَمْ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُطَلَّقَ اسْمُ مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ اهـ.

وَتَعَقَّبَ ابْنُ الشَّاطِّ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الطَّلَاقُ حَلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى أَيْ جَعَلَ صُدُورَ حَلِّ الْعِصْمَةِ مِنْهَا وَاقِعًا بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَيْ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَجَوَابُهُ الثَّانِي بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَيْ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِطَالِقٍ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ حَتَّى يَثْبُتَ الْفَارِقُ وَتَبْطُلَ الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ فَافْهَمْ وَجَوَابُهُ الثَّالِثُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا اهـ.

(قَالَ الْأَصْلُ) وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ أَلْفَاظَ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الظَّاهِرَةِ بِجُمْلَتِهَا كَلَفْظِ صَرِيحِهِ بِجُمْلَتِهِ نُقِلَتْ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ كِنَايَاتِهِ الْخَفِيَّةِ وَالنَّقْلُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْعُرْفِ أَمْرَانِ

(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْعُرْفَ إذَا تَحَوَّلَ إلَى الضِّدِّ تَحَوَّلَتْ تِلْكَ إلَى الْأَلْفَاظِ بِتَحَوُّلِهِ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ الظَّاهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا ظَاهِرًا وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ صَرِيحًا بِحَسَبِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعُرْفُ فَقَطْ وَلَمْ يُنْقَلْ لِلضِّدِّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا، بَلْ وَلَا كِنَايَةً ظَاهِرَة، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ

(الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015