الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ وَطِئَهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَوَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلَّلَا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِطْرَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْمَرَضِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ أَفْطَرَ جَاهِلًا فَقَوْلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ هَلْ يَلْحَقُ بِالْعَامِدِ أَمْ لَا وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِي لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ (قُلْت) وَهَذِهِ الْفَتَاوَى كُلُّهَا مُشْكِلَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَمَعْنَاهُ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَيَكُونُ خَبَرًا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّابِطُ فِي الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالْمَرَّةِ لَزِمَ فِيهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْوِي وَذَلِكَ مِثْلُ بَتَّةٍ وَحَبْلِك عَلَى غَارِبِك مِنْ نَحْوِ قَطَعْت الْعِصْمَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَعِصْمَتُك عَلَى كَتِفِك أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَالْبَيْنُونَةُ لِغَيْرِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَصَادِقَةٌ بِوَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا رَاجِحًا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا جَزْمًا كَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ الْأَقَلَّ كَحَرَامٍ وَمَيِّتَةٍ وَخَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مُسَاوِيًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا إلَّا لِنِيَّةٍ أَقَلَّ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مَرْجُوحًا بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي غَيْرِ الْبَيْنُونَةِ رَاجِحًا لَزِمَهُ الْوَاحِدَةُ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَفَارَقْتُكِ
(الْقِسْمُ الثَّامِنُ) مَا يَنْوِي فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ وَهُوَ نَحْوُ اذْهَبِي وَانْصَرِفِي وَانْطَلِقِي أَوْ أَنْتِ مَطْلُوقَةٌ أَوْ مُنْطَلِقَةٌ مِمَّا لَيْسَ مِنْ صَرِيحِهِ وَلَا مِنْ كِنَايَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إنْ قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
فَالِانْطِلَاقُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ قِيلَ وَإِنْ كَانَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ عُرْفًا فِي إزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ نَحْوُ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الطَّلَاقَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً كَمَا عَلِمْت
(وَثَانِيهِمَا) الْقَوْلُ بِصِحَّةِ مَا يُسَمِّيهِ النُّحَاةُ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ أَيْ بِصِحَّةِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ تَنَاسُبِهِ كَالْحَمْدِ وَالْمَدْحِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالتَّرْتِيبِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ لِلْمَادَّةِ كَالضَّارِبِ وَالضَّرْبِ لِاخْتِصَاصِ هَذَا بِالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ قَلَّتْ أَفْرَادُ الْكَبِيرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ فَقَطْ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ تَنَاسُبِهِ كَالْفَلْقِ وَالْفَلْجِ بِالْجِيمِ وَهُمَا الشِّقُّ وَزْنًا وَمَعْنًى وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ ضَعِيفٌ، اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْأَبْيَارِيِّ عَلَى حَوَاشِي الْمُغْنِي.
قُلْت وَمِنْ الْأَكْبَرِ لَا مِنْ الْكَبِيرِ قَوْلُ الْأَصْلِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الَّتِي أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ لَكِنْ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَسَقَطَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَ الِاشْتِقَاقَ الْكَبِيرَ مِنْ النُّحَاةِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثُ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَلَكِنَّ ثَالِثَ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يُدَّعَى إبْدَالُ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَافِ فَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّهُونِيُّ إنْ قَصَدَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مُرِيدًا بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ فَيَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ قَالِقٌ بِإِبْدَالِ الطَّاءِ قَافًا أَوْ مُثَنَّاةً فَوْقِيَّةً حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ عج وَتَبِعَهُ عبق وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ تَامًّا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ النُّطْقَ بِالْقَافِ كَانَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابُ عَنْ الرَّمَّاحِ وَسَلَّمَهُ مِنْ الْجَرَيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَيْ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيمَا