وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ فَهَذِهِ»
الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ عُقُودَهُنَّ فَاسِدَةٌ إذْ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَ السَّابِقُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْفَسَادِ الْخَامِسَةُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَا يَكُونُ إلَّا إذْ عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا حَتَّى لَا يَكُونَ الْبَعْضُ أَوْلَى بِالْبَقَاءِ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَيَّرَ مُطْلَقًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْعُقُودِ أَوْ اتَّحَدَتْ الْعُقُودُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي تَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ وَتَقْرِيرِ أَصْلٍ عَامٍّ فِي النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَوْ كَانَ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ فِي فَسَادِ عُقُودِهِنَّ وَأَنَّ الْأَوَائِلَ فِي حُكْمِ الْأَوَاخِرِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَالْأَوَاخِرَ الْمُتَأَخِّرَاتِ الْعُقُودِ فَاسِدَةُ الْعُقُودِ فَكَذَلِكَ الْأَوَائِلُ قُلْت إطْلَاقُ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرُ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُولِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ.
وَهَذَا جَوَابٌ سَدِيدٌ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا فَلِذَلِكَ خَيَّرَهُ أَوْ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
(الثَّانِي) لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهُمَا فِيهَا وَلَمَّا لَمْ يَبِينُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذِهِ لِلْحُكْمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَصَلَ اللُّزُومُ وَالتَّعْيِينُ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَلَمْ تُلَاحَظْ فِي الْقِيَاسِ هَذِهِ الْجِهَةُ
(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ تَقْدِيمِ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَصُورَةُ النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ الْفَرْعُ مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ الشُّفْعَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِهَا
(وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ) أَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ إنَّمَا أَبْطَلَ الْعُقْدَةَ فِي الشُّفْعَةِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي رُتْبَتُهَا أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْإِبْضَاعِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الزَّوْجِ الثَّانِي مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْإِبْضَاعِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى رُتْبَةً فَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْفَرْقِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ مَقَاصِدِهَا أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ حَتَّى يُسَلَّمَ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ بِهَذَا الْفَرْقِ
(السُّؤَالُ الْخَامِسُ) لِمَ رَجَّحْتُمْ ضَرَرَ الزَّوْجِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ عَلَى ضَرَرِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي كَمَا حَصَلَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ كَذَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ قَدْ حَصَلَ لَهُ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا لَا سِيَّمَا وَصُحْبَةُ الْأَوَّلِ أَطْوَلُ وَأَكْثَرُ وَمُعَاهَدٌ قَضَاءُ الْأَوْطَارِ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّا رَجَّحْنَا ضَرَرَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ مِنْ ضُرِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْرَضَ بِالطَّلَاقِ وَتُوحَشُ الْعِصْمَةُ إمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِمَّا بِحُصُولِ السَّآمَةِ مِنْ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ طُولَ صُحْبَةِ الْمَرْأَةِ تُوجِبُ قِلَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَأَنَّ جِدَّتَهَا تُوجِبُ شِدَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي السِّلَعِ وَالْإِجَارَاتِ
(وَالسُّؤَالُ السَّادِسُ) لِمَ اُعْتُبِرَ ثَمَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ قُلْتُمْ فِيهَا إنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي وَهَذَا نَقْضٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ مُوجِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَإِلْغَائِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ وَالْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ أَبْعَدَ الثَّمَانِيَةِ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَيْسَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا ظَاهِرٌ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ وَمَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ تَطْلُقُ بِسَبَبِ طُولِ الْغَيْبَةِ وَمَسْأَلَةِ تُسْلِمُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ تَقَدُّمُ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ زُورٍ نَفَذَ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالنِّكَاحِ