الْمُؤَاخَذَةَ بِذَلِكَ لَنَفَرُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَضَابِطُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ مَفْسَدَةٍ تَدُومُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ لَا تَدُومُ لَكِنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ كَالزَّوَاجِ فِي الْعِدَّةِ فَيُسْلِمُ فِيهَا فَهُوَ يُبْطِلُ وَإِنْ عَرَى نِكَاحُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عُقُودُهُمْ صَحِيحَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ إنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ مُشْكِلٌ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ صَحِيحَةٌ وَالشَّهَادَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى نَقُولَ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ لِكُفْرِهِمْ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَأَشْهَدَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَالْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَسْتَقِرَّ عَقْدُهُ فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي عُقُودِهِمْ بَيْنَ مَا يَكُونُ مُخْتَلَّ الشَّرْطِ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الْفَضَاءُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَمُشْكِلٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَدَاقَهُمْ قَدْ يَقَعُ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَخْتَلُّ بَعْضُ الشُّرُوطِ أَوْ كُلُّهَا فِي بَعْضِ الْعُقُودِ فَكَمَا لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَجُهَّالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ وَنَقُولُ مَا صَادَفَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فَهُوَ بَاطِلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ كَمَا نُقَدِّمُ رِضَاهُمْ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَيَّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا بَلْ يَقُولُ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْبِنْتِ صَحِيحًا تَعَيَّنَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ لَا نَقْضِي بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا بَلْ نُفَرِّقُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعَ مِنْهَا أَرْبَعٌ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ تَعَيَّنَتْ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى الْعَشْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً خُيِّرَ بَيْنَهُنَّ لِشُمُولِ الْبُطْلَانِ لَهُنَّ وَكَانَ يَلِيقُ إذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا مُطْلَقًا أَنْ لَا نُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَوَانِعِ الْمَاضِيَةِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكُلَّ فَاسِدٌ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ لِأَنَّ الزَّوَاجَ فِي الْعَقْدِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فَنَاسَبَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ وَيَنْبَغِي إذًا وَطْءٌ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ قَالَ قُلْت «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَنْ عَشْرِ نِسْوَةٍ اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» . وَفِي أَبِي دَاوُد «قَالَ أَنَسُ بْنُ الْحَارِثِ أَسْلَمْت
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فَرْطِ الْمَيْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ لِضَعْفِ طَبْعِهِنَّ وَغَلَبَةِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِنَّ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] حَيْثُ إنَّهُ قَدَّمَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى ظُهُورِ احْتِيَاجِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَادِئُ بِطَلَبِ ذَلِكَ وَكَنَّى بِاللِّبَاسِ لِشِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ كَمَا فِي الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ فَيَكُونُ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بِالزَّوْجِ الثَّانِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ الشَّغَفُ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَصْعَبَ مِنْهُ بِالْخَامِسَةِ إذْ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهَا إلَّا دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ
(الْخَامِسُ) أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَاعِدَةِ فِي الْوَلِيَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا فِي الْوَكِيلَيْنِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي التَّزْوِيجِ قَوِيٌّ وَعَنْ الْوَاقِعِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ
(السَّادِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا وَلَا خِيَرَةَ لَهَا لَا تُتَّهَمُ وَالرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلدُّخُولِ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَلَ عَنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا
(السَّابِعُ) أَنَّ دُخُولَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَإِنْ شَارَكَ دُخُولَ الزَّوْجِ بِالْخَامِسَةِ فِي مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ مَنْعِ الْعَقْدِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ الدُّخُولَ بِالْخَامِسَةِ مَعَ ذَلِكَ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْمُعْتَبَرَةَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثًا وَمُسْتَثْنَيَاتٍ فَتَجُوزُ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا وَالْإِحْدَادُ ثَلَاثًا، وَأَيَّامُ الْخِيَارِ ثَلَاثٌ وَالضَّرَّاتُ ثَلَاثٌ ثُمَّ يَلْزَمُ فَعَظُمَتْ أَسْبَابُ الْإِبْطَالِ فِي الْخَامِسَةِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ
(الثَّامِنُ) أَنَّ شَأْنَ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ السُّؤَالُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتَضْعُفُ الشُّبْهَةُ فِي الْخَامِسَةِ بِكَشْفِ أَوْلِيَائِهَا وَلَيْسَ شَأْنُ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ السُّؤَالَ عَنْ حَالِ الْمَرْأَةِ فَتَقْوَى الشُّبْهَةُ فِي ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَحْوِهَا
(التَّاسِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ ضَعِيفٌ كَالنَّذْرِ مَعَ الْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَاءَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهُ بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ
(الْعَاشِرُ) أَنَّ فِي الْخَامِسَةِ مَفْسَدَةً أَنَّهَا عَلَى ضَرَّاتٍ أَرْبَعٍ لَهَا انْدَفَعَتْ بِالْفَسْخِ وَالْفَائِتُ عَلَى ذَوَاتِ الْوَلِيَّيْنِ صُحْبَةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ
(وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ) أَنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ لَا يَصِحُّ لِتَبَايُنِ الْأَحْكَامِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ فِي صُورَةِ الشُّفْعَةِ مُخَيَّرٌ وَالزَّوْجُ الثَّانِي هَاهُنَا لَيْسَ مُخَيَّرًا بَلْ أَنْتُمْ قَدْ عَيَّنْتُمْ الْمَرْأَةَ لَهُ جَزْمًا فَقَدْ زَادَتْ صُورَةُ الْفَرْعِ الْمَقِيسِ عَلَى صُورَةِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ اللُّزُومِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ لِلْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ جِهَتَيْنِ
(إحْدَاهُمَا) جِهَةُ التَّخْيِيرِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِ السِّلَعِ وَالْعَقَارِ قَابِلَةً لِلتَّخَيُّرِ وَالْخِيَارِ فَلِذَا ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ وَتَمْتَنِعُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ لِامْتِنَاعِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِئَلَّا تَكُونَ الْمُخَدَّرَاتُ بَذْلَةً بِالْخِيَارِ فَلِذَلِكَ