الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا بَرَأَتْ ذِمَّتُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَجَمِيعِ صَلَوَاتِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ظُهْرٌ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الظُّهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَاقِعًا فِي الْبُقْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ مَفْهُومَ أَحَدِهَا مِرَارًا عَدِيدَةً.
قَالَ (فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ وَلَا دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِمَا أَوْقَعَهُ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ أَيْ قِسْطٌ مِنْهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ.
قَالَ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ سَبَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ إذَا وَقَعَ وَتَعَيَّنَ بِالْوُقُوعِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْوُجُودِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَلْ عَلَى التَّعْيِينِ.
قَالَ (وَلِذَلِكَ تَقُولُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَجَمِيعِ صَلَوَاتِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ظُهْرٌ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ مُصَلِّي الظُّهْرِ إنَّمَا تَقَعُ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فَذَلِكَ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةُ زَيْدٍ حَتَّى يُصَلِّيَ عَمْرٌو وَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ مُصَلِّي الظُّهْرِ إنَّمَا تَقَعُ بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ فَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمُصَلِّي إنَّمَا تَقَعُ بِصَلَاتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَكِنْ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَسَاقُ كَلَامِهِ.
قَالَ (أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الظُّهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَاقِعًا فِي الْبُقْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُوبِ) قُلْتُ كَوْنُ الصَّلَاةِ وَاقِعَةً فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعَلَى هَيْئَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْ لَمْ تُشْتَرَطْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ وَلَا تِلْكَ الْهَيْئَةُ فِي الْوُجُوبِ فَلَمْ تَقَعْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إلَّا بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ بِتِلْكَ الْقُيُودِ وَذَلِكَ لِتَعْيِينِ الْوُجُودِ لَا لِتَعْيِينِ الْوُجُوبِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْ الْمَعْرُوفُ بِهَا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ مُعَرَّفًا بِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ مَحْصُورًا فِيهِ بِمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ وَضِدُّهُ وَخِلَافُهُ عَلَى قَاعِدَةِ حَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إذَا لَمْ يُعَرَّفْ مُبْتَدَؤُهُ بِاللَّامِ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِي الْمُبْتَدَأِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ لِلْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَقَدْ يَجِيءُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْأَصْلِ فَيَجْرِي عَلَى قَاعِدَةِ الْحَصْرِ لِلْأَوَّلِ فِي الثَّانِي كَمَا فِي حَدِيثِ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَأْتِي لِغَيْرِ الْحَصْرِ كَمَا فِي:
وَجَدْتُ بُكَاءَكَ الْحَسَنَ الْجَمِيلَا
وَإِذَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُعَرَّفْ مُبْتَدَؤُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ حَصْرُ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ يَجِيءُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْأَصْلِ إمَّا بِحَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَإِمَّا بِدُونِ الْحَصْرِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا يَكُونُ لِحَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَصْرَهُ لُغَوِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ فَقَطْ وَحَصْرُ غَيْرِهِ عَقْلِيٌّ فَقَطْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ حَصْرَهُ الْحَقِيقِيَّ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافِ جَمِيعًا وَحَصْرُ غَيْرِهِ إنَّمَا يَقْتَضِي حَصْرَ النَّقِيضِ فَقَطْ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ)
بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ لَا تَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ فِيهِ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ تُشَبِّهَ مَا وَقَعَ لَك أَمْسِ بِمَا وَقَعَ أَمْسِ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَتُشَبِّهَ مَا وَقَعَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَا وَقَعَ لِغَيْرِكَ الْيَوْمَ، وَتُشَبِّهَ مَا يَقَعُ لَكَ غَدًا بِمَا يَقَعُ لِغَيْرِكَ غَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إلَخْ لَا تَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْتَ عَمْرًا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَصْدِ التَّسْوِيَةِ