وَهِيَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمْرَانِ يُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَالْفِتَنِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْأَئِمَّةِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّائِرَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ إضَافَتُهُ إلَى الْغَالِبِ أَوْلَى. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
«قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظَفِرَ بِحَقِّهِ أَوْ بِجِنْسِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ خَصْمِهِ بِهِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ خِلَافُهُ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ جِنْسَ حَقِّهِ أَوْ حَقَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ حَكَى الْخَطَّابِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةُ مَنْ قَالَ إنَّهُ بِالْقَضَاءِ أَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَتَاوَى شَأْنُهَا الْعُمُومُ وَحَجَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَتْوَى مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ وَلَا سَمَاعِ حُجَّةٍ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ فَتْوَى وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ سَلَبَ الْمَقْتُولِ إلَّا ` أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَخَالَفَ أَصْلَهُ فِيمَا قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْفُتْيَا عَمَلًا بِالْغَالِبِ وَسَبَبُ مُخَالَفَتِهِ لِأَصْلِهِ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَإِخْرَاجُ السَّلَبِ مِنْ ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا أَفْسَدَ الْإِخْلَاصَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَمَدُ وَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَخْ ضَعِيفٌ اهـ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَوْنُ مَا قَرَّرَ بِهِ عبق هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ طفى وَصَوَّبَهُ مِنْ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى عَيْنِ شَيْئِهِ إذْ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَيْرُ عَيْنِ شَيْئِهِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشَى فِيهِ خَلِيلٌ مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ الْإِبَاحَةُ اهـ وَنَقَلَ كَنُونِ عَنْ التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ أَنَّ الدَّعْوَى إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَتَاعِهِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ أَيْ بِشَرْطَيْهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّفْعِ إنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِّ فَإِذَا أَمْكَنَ بِدُونِهِ فَالرَّفْعُ إلَيْهِ عَنَاءٌ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ الرَّافِعُ بَيِّنَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ مَالِهِ وَهُوَ ضِدُّ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ اهـ قَالَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ وَلِلَّهِ دُرُّ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْعَاقِبِ بْنِ مَا يَأْبَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ
إذَا وَجَدَ الْمَظْلُومُ بِالْمَطْلِ قُدْرَةً ... عَلَى أَخْذِ حَقٍّ لَازِمٍ لِمُطَوِّلِ
فَأَخَذَ جَمِيعَ الْحَقِّ أَوْ مَا يَنُوبُهُ ... مَعَ الْغَيْرِ مَا عَنْ مَحِلِّهِ مِنْ عُدُولِ
بِذَا صَرَّحَ الزَّرْقَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ ... وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ حَبْرُ النُّقُولِ
وَمَنْ يَدْعُهُ بِاسْمِ الْفُضُولِيِّ بَعْدَمَا ... أُبِيحَ لَهُ ذَا الْأَخْذِ فَهُوَ الْفُضُولِيّ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» تَصَرُّفًا بِالْفَتْوَى عَمَلًا بِالْغَالِبِ مِنْ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَسْتَحِلُّ كُلُّ أَحَدٍ سَلَبَ الْمَقْتُولِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْإِمَامُ ذَلِكَ أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَسْتَحِلُّ أَحَدٌ سَلَبَ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ خَالَفَ أَصْلَهُ الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْوَى نَظَرًا لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَإِخْرَاجُ السَّلَبِ مِنْ ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَفْسَدَ الْإِخْلَاصَ عِنْدَ الْمُجَاهِدِينَ فَيُقَاتِلُونَ لِهَذَا السَّلَبِ دُونَ نَصْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُقْبِلَ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَهُ سَلَبٌ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقَعَ التَّخَاذُلُ فِي الْجَيْشِ وَرُبَّمَا كَانَ قَلِيلُ السَّلَبِ أَشَدَّ نِكَايَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ تَرَكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْأَصْلَ هُنَا، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْقَانُونَ وَهَذِهِ الْفُرُوقَ لِتُخْرِجَ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنْ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ هِيَ مَا عُلِّقَ عَلَى مِثْلِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَصَلَ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ وَالْأَسْبَابُ هِيَ نَحْوُ الدُّخُولِ وَالْكَلَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلدُّخُولِ أَوْ الْكَلَامِ أَيْ لِجَعْلِهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَكَّلَهَا اللَّهُ لِخِيرَةِ خَلْقِهِ فَحَيْثُ أَعَادَ الْمَشِيئَةَ لَهُ وَلَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ