(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
بَعْثُ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعُهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةُ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةَ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا هَذَا هُوَ شَأْنُ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَمَتَى فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَتَى فَصَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ أَوْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْإِيمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا فَنَعْلَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذَا شَأْنَ الْقَضَاءُ وَالْقُضَاةِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ فَهَذَا تَصَرُّفٌ بِالْفَتْوَى وَالتَّبْلِيغِ فَهَذَا الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا الْقَوْلِ هَلْ تُصْرَفُ بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ هُوَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا تَفْرِقَةُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْإِمَامَةُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قُلْت التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرْته قَدْ أَتَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكِنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّقْسِيمِ أَمَسُّ بِالتَّحْرِيرِ وَأَقْرَبُ إلَى الْإِيضَاحِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَا رَجَحَ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَاجِحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ لَا عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ يَكُونُ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي كَوْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» تَصَرُّفًا بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ إضَافَةَ الدَّائِرِ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ إلَى الْغَالِبِ أَوْلَى أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ تَفْرِقَةَ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمْرَانِ يُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَالْفِتَنِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْأَئِمَّةِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي. مَا نَصُّهُ: خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» تَصَرُّفًا بِطَرِيقِ الْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظَفِرَ بِحَقِّهِ أَوْ بِجِنْسِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ خَصْمِهِ بِهِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحُجَّتُهُ أَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَتَاوَى شَأْنُهَا الْعُمُومُ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ وَلَا سَمَاعِ حُجَّةٍ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ فَتْوَى وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَفِي جَعْلِهِ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِ أَحَدٍ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا اهـ مُخَالَفَةً لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً اهـ قَالَ الْمَوَّاقُ وَحَاصِلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ تَرْجِيحُ الْأَخْذِ اهـ.
وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ عبق وَالْخَرَشِيَّ قَرَّرَا أَنَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِشَيْئِهِ مَا يَشْمَلُ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَ عَيْنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ خَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهَا فَلَوْ أَرَادَ خَلِيلٌ بِشَيْئِهِ عَيْنَهُ خَاصَّةً لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِعَدَمِ شُمُولِ عَيْنِ شَيْئِهِ لَهَا فَيُحْمَلُ شَيْؤُهُ عَلَى حَقِّهِ الشَّامِلِ لِعَيْنِ شَيْئِهِ وَعِوَضِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْعُقُوبَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْوَدِيعَةَ وَهُوَ