عَنْهُمْ يَكُونُ شَرْطُ الْوُجُوبِ مَفْقُودًا فَيَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ كَمَا تَقُولُ لِزَيْدٍ: إنْ اتَّصَلَتْ بِعِصْمَةِ امْرَأَتِك أَوْ بِقَرَابَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْك النَّفَقَةُ.
وَإِنْ انْفَصَلْت مِنْهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فَإِنْ عَاوَدْتَهَا وَجَبَتْ وَإِنْ فَارَقْتَهَا سَقَطَتْ كَذَلِكَ أَيْضًا هَاهُنَا مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الْقَوْمِ الْخَارِجِينَ لِلْجِهَادِ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُمْ قُلْنَا لَك ذَلِكَ فَإِذَا فَارَقَهُمْ بَطَلَ الْوُجُوبُ كَذَلِكَ أَبَدًا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالسُّؤَالُ جَيِّدٌ وَالْجَوَابُ جَيِّدٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مُقْتَضَى مَا قَرَرْتُمْ مِنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَاعِدَةِ فَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَأَنْ تُشْرَعَ إعَادَتُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْمَغْفِرَةُ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ تَحْصُلْ بِالْقَطْعِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إمَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِتَعَذُّرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ وَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ: مَالِكٌ وَلَمْ تَبْقَ إلَّا مَصْلَحَةُ تَكْثِيرِ الدُّعَاءِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَعَذُّرُ النَّدْبِ فِيهَا حُجَّةً عَلَيْهِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَشَاقَّ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ قُرِّرَ مَعَهَا وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ فِي الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الرَّابِعُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: التَّكْلِيفُ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُهَا بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ وَبَعْضُ تِلْكَ الْمَشَاقِّ هُوَ أَعْظَمُ الْمَشَاقِّ كَمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ انْقَسَمَتْ الْمَشَاقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ وَقِسْمٌ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْضَ التَّكْلِيفِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ التَّكْلِيفَ.
قَالَ: (وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِ النَّوْعِ الثَّانِي) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ فَفِي نَحْوِ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْرَبَ: أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ فَافْهَمْ اهـ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَقَدْ يَقَعُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ يَعُمُّ الشَّرْطُ جَمِيعَ الْجَمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا قِيلَ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَصَحُّ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ اهـ أَيْ كُلُّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ.
قَالَ الْعَطَّارُ: وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَيُعْرَفُ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ فَرْقِ الْمَحَلِّيِّ الْآتِي اهـ وَلَا يَعُمُّ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلِ نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ.