وَالْأَبْضَاعِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمْ إلَّا بِقَتْلِهِمْ وَخَامِسُهَا أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يَعْفُوَ أَوْ يُخْبِرَ الْوَكِيلَ فَاسِقٌ بِالْعَفْوِ أَوْ مُتَّهَمٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ فَأَرَادَ الْقِصَاصَ فَلِلْفَاسِقِ الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَلَوْ بِالْقَتْلِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَادِسُهَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ جَارِيَةٍ فَبَاعَهَا، فَأَرَادَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَطَأَهَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا فَأَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُهُ، وَلَوْ بِالْقَتْلِ وَسَابِعُهَا ضَرْبُ الْبَهَائِمِ لِلتَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّمَاسِ وَالْجِمَاحِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَنْ يَرَى جَمَاعَةً تَرَكُوا الصَّلَاةَ فَيَأْمُرَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُومُوا لِلصَّلَاةِ
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَهِكٌ لِلْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِهِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْلِيلَهُ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَكِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمَفْسَدَةُ الْمُوجِبَةُ لِإِبَاحَةِ الْإِنْكَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ ضَعِيفًا جِدًّا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ كَوَاطِئِ الْجَارِيَةِ بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ عَطَاءٍ وَشَارِبِ النَّبِيذِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمًا، وَلَا تَحْلِيلًا، وَالْمَدَارِكُ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مُتَقَارِبَةٌ أُرْشِدَ لِلتَّرْكِ بِرِفْقٍ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ الْمَنْدُوبِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ هَكَذَا شَأْنُهُمَا الْإِرْشَادُ مِنْ غَيْرِ تَوْبِيخٍ
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ يَدْخُلُهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْشَادِ لِلْوَرَعِ، وَلِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ، وَلَا تَوْبِيخٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْلُنَا فِي شَرْطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى مَفْسَدَةٍ هِيَ أَعْظَمُ، هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ قِسْمَانِ تَارَةً تَكُونُ إذَا نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِ النَّاهِي، وَتَارَةً يَفْعَلُهُ فِي النَّاهِي بِأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الزِّنَا فَيَقْتُلَهُ أَعْنِي النَّاهِيَ يَقْتُلُهُ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّاهُ بِالْأَوَّلِ نَظَرَ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ، وَقَالَ: هَذَا لَا يَمْنَعُ، وَالتَّعْذِيرُ بِالنُّفُوسِ مَشْرُوعٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ قُتِلُوا بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ يَدْعُوَ لَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحُصُولِ شَرْطِ التَّكْفِيرِ وَالْمَغْفِرَةِ وَهُوَ الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ وَقَدْ تَجِبُ) وَهُوَ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ، وَهِيَ مُعَامَلَةُ النَّاسِ بِمَا يُحِبُّونَ مِنْ الْقَوْلِ، وَإِنْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهَا كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ إلَّا أَنَّهَا تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، فَقِسْمُ الْمُحَرَّمَةِ مَا كَانَ وَسِيلَةً لِتَكْثِيرِ الظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مِنْ أَهْلِهِ كَشُكْرِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَالْمُبْتَدِعِ عَلَى بِدْعَتِهِ أَوْ مُبْطِلٍ عَلَى إبْطَالِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أَيْ هُمْ يَوَدُّونَ لَوْ أَثْنَيْت عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَيَقُولُونَ لَك مِثْلَ ذَلِكَ وَقِسْمُ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ شُكْرِ الظَّلَمَةِ الْفَسَقَةِ وَاَلَّذِينَ يُتَّقَى شَرُّهُمْ بِالْكَلِمَاتِ الْحَقَّةِ وَبِالتَّبَسُّمِ فِي وُجُوهِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: إنَّا لَنَشْكُرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا إنْ لَمْ يَكُنْ وَسِيلَةً لِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إنْ كَانَ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْقَائِلُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُحَرَّمَاتٍ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَوْلِ، وَيَكُونُ الْحَالُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إنْ كَانَ وَسِيلَةً لِمَنْدُوبٍ أَوْ مِنْ مَنْدُوبَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ كَانَ عَنْ ضَعْفٍ لَا ضَرُورَةَ تَتَقَاضَاهُ بَلْ خَوْرٌ فِي الطَّبْعِ أَوْ كَانَ وَسِيلَةً لِلْوُقُوعِ فِي مَكْرُوهٍ هَذَا تَهْذِيبُ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت: وَقِسْمُ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ هُوَ الَّذِي عَدَّهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ مِنْ الْكَبَائِر لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ نَدَامَةً، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلَى النَّاسِ» اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُحَرَّمِ وَقَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّذِي لَا يَحْرُمُ) وَهُوَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ إنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ كَمَنْ يَتَطَيَّرُ بِمَا لَا يَخَافُ مِنْهُ عَادَةً كَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ يَخَافُ أَنْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ بِهَذَا السَّبَبِ وَعَلَى هَذَا الْخَوْفِ الْمُحَرَّمِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: - {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} [التوبة: 18]