بَعْضَ النَّاسِ يَجِدُ اللَّذَّةَ مِنْ تَقْبِيلِ وَلَدِهِ فِي خَدِّهِ أَوْ فَمِهِ كَمَا يَجِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِتَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَيَعْتَقِدُ ذَلِكَ بِرًّا بِوَلَدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِقَضَاءِ أَرَبِهِ وَلَذَّتِهِ وَيَنْشَرِحُ لِذَلِكَ وَيَفْرَحُ قَلْبُهُ وَيَجِدُ مِنْ اللَّذَّةِ أَمْرًا كَبِيرًا وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَنْ يَعْمِدَ الْإِنْسَانُ لِأُخْتِهِ الْجَمِيلَةِ أَوْ ابْنَتِهِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُهَا فِي مِثْلِ خَدِّهَا وَثَغْرِهَا فَيُقَبِّلَ خَدَّهَا أَوْ ثَغْرَهَا، وَهُوَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ قُبْلَةَ الْأَجَانِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الِاجْتِمَاعُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا كَالزِّنَا بِهِنَّ أَقْبَحُ مِنْ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ، وَيَرَى جَمَالًا فَائِقًا لَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ، وَقَدْ يَزَعُهُ عَقْلُهُ وَشَرْعُهُ رَأَيْت النَّاسَ عِنْدَهُمْ مُسَامَحَةٌ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يُقَبِّلُ خَدَّ ابْنَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ هَذَا، وَغَيْرُهُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، أَمَّا مَتَى حَصَلَ الْفَرْقُ فِي النَّفْسِ صَارَ اسْتِمْتَاعًا حَرَامًا وَالْإِنْسَانُ يُطَالِعُ قَلْبَهُ وَيُحَكِّمُهُ فِي ذَلِكَ
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ: إنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَرُدَّ أَحْسَنَ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ الْمُبْتَدِئِ إنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ دُونَ الْبَرَكَاتِ، وَإِلَّا لَبَطَلَ التَّخْيِيرُ لِتَعَيُّنِ الْمُسَاوَاةِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِهَاءِ إلَى لَفْظِ الْبَرَكَاتِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ تَنْوِيعُ الرَّدِّ إلَى الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ انْتَهَى لِلْبَرَكَاتِ، وَإِلَى الْأَحْسَنِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ اقْتَصَرَ دُونَ الْبَرَكَاتِ، فَهَذَا مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّنْوِيعِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا هَلْ الِانْتِهَاءُ إلَى الْبَرَكَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ إذَا انْتَهَى الْمُبْتَدِئُ إلَى الْبَرَكَاتِ فَقَطْ
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ، وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُنْدَبُ)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتَأْمُرُنَّ وَلَتَنْهَوُنَّ أَوْ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ فَلِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
(الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فَالْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّهْيُ عَمَّا يَرَاهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) : أَنْ يَأْمَنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُؤَدِّي إنْكَارُهُ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَيُؤَدِّيَ نَهْيُهُ عَنْهُ إلَى قَتْلِ النَّفْسِ أَوْ نَحْوِهِ
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) : أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إنْكَارَهُ الْمُنْكَرَ مُزِيلٌ لَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِهِ فَعَدَمُ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لَهُ؛ إذْ لَوْ أُرِيدَ بَيَانُ كَمْ يَجْعَلُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَوْقَاتِ عِبَادَتِهِ لَقَالَ فَكَمْ أَصْرِفُ مِنْ أَوْقَاتِ عِبَادَتِي فِي الصَّلَاةِ عَلَيْك، وَيُؤَيِّدُهُ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُصَلِّي كَوْنَ ثَوَابِهَا لَهُ فَمَعْنَى الْإِهْدَاءِ حَاصِلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ وَإِعْظَامُهُمْ لَا أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى هَدِيَّةِ الْمُهْدِي؛ وَلِذَلِكَ يُجْزِلُونَ الْمَثُوبَاتِ عَلَى أَدْنَى شَيْءٍ، وَأَيْضًا فَيَنْوِي الْمُصَلِّي بِذَلِكَ تَحْصِينَ عَمَلِهِ مِنْ الرَّدِّ لِيَقْوَى بِذَلِكَ رَجَاؤُهُ احْتِرَامًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْهَدَايَا لِلْمُلُوكِ إذَا كَانَتْ لَا تُنَاسِبُ جَلَالَةَ مَقَادِيرِهِمْ، وَيُخْشَى رَدُّهُمْ لَهَا دَخَلَتْ فِي جُمْلَةِ هَدَايَا وَاسِطَةِ عَظِيمٍ عِنْدَ الْمَلِكِ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ هَدَايَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا احْتَقَرَ الْعَامِلُ نَفْسَهُ، وَاعْتَقَدَ قُصُورَهُ وَعَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا رَأَى عَمَلَهُ شَيْئًا مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ مُعْتَدًّا بِهِ فَسُوءُ الْأَدَبِ لَازِمٌ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا لِسَيِّدِي زَرُّوقٍ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَحَدِيثُ أَبِي ظَاهِرٍ فِي خِلَافِهِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ.
وَقَبْلَ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ جَسُّوسُ وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ كَنُونٍ وَمُرَادُهُ دَفْعُ تَنْظِيرِ الرُّهُونِ فِي مُسْتَنَدِ ابْنِ زِكْرِيٍّ أَوَّلًا بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ أَبِي الْمَوَاهِبِ وَثَانِيًا بِأَنَّ مَا فُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مُعَارَضٌ بِمَا فَهِمَ مِنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيهِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت، قُلْت: وَقَدْ وَجَّهَ عَدَمَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالرُّؤْيَا الْعَلَّامَةُ الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَقَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ إنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ، وَلَا خُمُسَ عَلَيْك فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ فَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَخْرِجْ الْخُمُسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَقُصَارَى رُؤْيَتِك الْآحَادُ اهـ فَافْهَمْ، وَفِي الْخَازِنِ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَيِّتِ تَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَعَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَيَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَجٍّ تَطَوُّعٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّوْمِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ عَنْهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا يَصِلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَصِلُهُ ثَوَابُهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا تَصِلُهُ