الْبَاب السادس وَالْعشْرُونَ
فِي الْفرق بَين الْإِظْهَار والإفشاء والجهر
أَن الإفشاء كَثْرَة الْإِظْهَار وَمِنْه أفشى الْقَوْم إِذا كثر مَالهم مثل أمشوا والفشاء كَثْرَة المَال وَمثله المشاء وَقَرِيب مِنْهُ النَّمَاء والصباء وَقد أنمى الْقَوْم واصبوا وأمشوا وأفشوا إِذا كثر مَالهم وَلِهَذَا يُقَال فَشَا الْخَيْر فِي الْقَوْم أَو الشَّرّ إِذا ظهر بِكَثْرَة وَفَشَا فِيهَا الجرب إِذا ظهر وَكثر والإظهار يسْتَعْمل فِي كل شَيْء والإفشاء لَا يَصح إِلَّا فِي مَا لاتصح فِيهِ الْكَثْرَة وَلَا يَصح فِي ذَلِك أَلا ترى أَنَّك تَقول هُوَ ظَاهِرَة الْمُرُوءَة وَلَا تَقول كثير الْمُرُوءَة
أَن الْجَهْر عُمُوم الْإِظْهَار وَالْمُبَالغَة فِيهِ الا ترى أَنَّك إِذا كشفت الْأَمر للرجل وَالرّجلَيْنِ قلت أظهرته لَهما وَلَا تَقول جهرت بِهِ إِلَّا إِذا أظهرته للْجَمَاعَة الْكَثِيرَة فيزول الشَّك وَلِهَذَا قَالُوا (أرنا الله جهرة) أَي عيَانًا لَا شكّ مَعَه وَأَصله رفع الصَّوْت يُقَال جهر بِالْقِرَاءَةِ إِذا رفع صَوته بهَا وَفِي الْقُرْآن (وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا) أَي بِقِرَاءَتِك فِي صَلَاتك وَصَوت جهير رفيع الصَّوْت وَلِهَذَا يتَعَدَّى بِالْبَاء فَيُقَال جهرت بِهِ كَمَا تَقول رفع صَوته بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ فِي غير ذَلِك اسْتِعَارَة وأصل الْجَهْر إِظْهَار الْمَعْنى للنَّفس وغذا أخرج الشَّيْء من وعَاء أَو بَيت لم يكن ذَلِك جَهرا وَكَانَ إِظْهَار وَقد يحصل الْجَهْر نقيض
الهمس لِأَن الْمَعْنى يظْهر للنَّفس بِظُهُور الصَّوْت
أَن الْكَشْف مضمن بالزوال وَلِهَذَا يُقَال لله عز وَجل كاشف الضّر وَلم يجز فِي نقيضه سَاتِر الضّر لِأَن نقيضه من السّتْر لَيْسَ متضمنا بالثبات فيجرى مجْرَاه فِي ثبات الضّر كَمَا جرى هُوَ فِي زَوَال الضّر والجهر غير مضمن بالزوال