يُقرّوا به أو لا يُقِرّوا، وأيّ وزْنٍ لهم؟ إنما الشأن أن رَدّ الباطل لا يستقيم إلا بأدلة الحق، ورد الباطل بالباطل إغراء للمبطل.
ومن العجب أن الذين ينتسبون للإسلام ويَدّعون إعجاز القرآن يظنون أنهم بالإقرار بهذا الكون المتخيَّل وذِكْرِه يعظمون الخالق ويدعون إليه وقد لا يشعرون بما وقعوا فيه من الضلال.
ومثال صنيعهم هذا مثال إنسان قال لملك من الملوك وهو بزعمه يمدحه ويثني عليه: أنت تملك جميع البراري والبحار وجميع القرى والأمصار، مُلككَ لا يُحد, ورعاياكَ لا تُحصى ولا تُعد.
فهل يكون هذا الكلام مقبولاً لدى الملك؟ أم أنه يرى أن هذا الإنسان قد أعلن عن جهله وغباوته؟ وقد يرى أنه يسخر به.
وهل يليق أن يُثنى على ملك الملوك سبحانه بأن يقال: أنت الخالق للإنسان وبقدرتك جعلته أكبر من الجبل وخلقت له خمسين عيناً وستين أذناً وسبعين رجلاً وثمانين يداً؟.
معلوم أن هذا لا يقوله من يعقل.
وتأمل الآن الجاهلي واعلم أنه لا يَسْتحسنه إلا من استبدل الواقع بالخيال والحقيقة بالمحال، إنه يقول:
ملأنا البَّر حتى ضاق عنا ... وماء البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً ... تخرّ له الجبابر ساجدينا