الثالث: ما ورد في إحدى روايات الحديث زيادة عند أحمد (?) وغيره: ((أن المؤذن كان يؤذن إذا بزغ الفجر)).
وأما إذا أُذن للفجر الصادق، وليس الطعام بين يدي الصائم، فلا يحل لأحد على الإطلاق تناول لقمة طعام، أو قطرة ماء، وما يفعله بعض الناس من المسارعة للشرب عند سماعهم أذان الفجر خطأ ظاهر، إذ لا يحل لهم البتة ذلك، إلا إذا كانوا يعتقدون أن المؤذن يتقدم في أذانه!
وأما ما عدا ذلك من الروايات أو الأخبار التي يتناقلها الناس عن بعض أهل العلم في المنع من الأكل قبل الفجر الصادق، أو جوازه بعده، فلا يلتفت إليها؛ لأنه لا تقوم بها حجة، ولا ينهض بها دليل، وإلا فإن منع الصائم من الأكل قبل الفجر الصادق، أو إباحة الطعام بعده؛ هو تعطيل للنصوص المحكمة.
وأما الروايات عن بعض أهل العلم التي تفيد جواز الأكل والشرب حتى بعد طلوع الفجر الصادق فمردودة، لمخالفتها محكم القرآن، وصريح السنة؛ وإذا ثبت النص من الكتاب والسنة، وكان صريح الدلالة، فلا يلتفت إلى من خالفه كائناً من كان، ما لم يكن إجماعاً فيُنظر!
وكذالك يُقال: إذا ثبت أن النصوص في تحريم الأكل بعد الفجر محكمة، فكل رواية - بعد ذلك - تخالف ذلك، فهي من المتشابه، وليس من حسن دين الرجل، ترك المحكم والمصير إلى روايات متشابهة عن غير المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وهو القائل: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)).
وتالله لو كانت هذه الروايات المتشابهة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لوجب ردها للمحكم، فكيف وهي عن غيره - صلى الله عليه وسلم -، ومخالفة لهديه! !
ومن ذلك؛ ما رواه الطبري في تفسيره (?) عن أبي أمامه قال: أقيمت الصلاة، والإناء في يد عمر قال: أَشْربُها يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، فشربها.
قلت: إن صح الحديث، فمن المعلوم أن الإقامة تَرِد بمعنى: الأذان، وتَرِد بمعنى: الإقامة للصلاة، فإذا حملنا معنى (الإقامة) هاهنا على معنى الإقامة للصلاة، فنكون بذلك قد خالفنا قطعي الكتاب، وصحيح السنة .. ! وعليه؛ فلا بد - إذن - من حملها على معنى الأذان، حتى تتفق النصوص ولا تتعارض، وإلا فمحال أن يأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشرب بعد الفجر إلا لمن كان الإناء على يده وأذَّن المؤذن .. ! أما وقد مضى وقت