وصفاء الأسرار. وقال أبو عمرو الدمشقي رحمه الله: الفتوة النظر إلى الخلق بعين الرضا، وإلى نفسك بعين السخط، ومعرفة حقوق من هو فوقك، ودونك، ومثلك، وأن لا تعرض عن إخوانك بزلة أو جفوة أو بلاغ كذب، فمن أحب أخاً من إخوانه، يجب عليه أن يرى جفاءه وفاءً، وإعراضه إقبالاً، ولا يسخط منه حالاً، ولا خلقاً، فإذا لم يكن هكذا، كانت محبته مدخولة. أنشدنا أبو سعيد الرازي، قال: أنشدنا ابن الأنباري:
سألزم نفسي الصفح عن كل مجرمٍ ... وإن كثرت منه علي الجرائم
فما الناس إلا واحدٌ من ثلاثة ... شريفٌ، ومشروفٌ، ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وألزم نفسي الحق، والحق لازم
وأما الذي مثلي فإن زال أو هفا ... علمت بأن الحكم للفضل حاكم
وأما الذي دوني فإن قال، صنت عن ... مقالته عرضي وإن لام لائم
ومن الفتوة أن يكافئ بالمودة مثله. لأنه لا جزاء للمودة إلا المودة. أخبرنا أبو بكر المفيد إجازة، حدثنا الحسين بن إسماعيل الربعي، حدثنا الفهري، عن ابن المبارك رحمه الله، قال: من جمع لك مع المودة الصافية رأياً حسناً، فاجمع له مع المودة الخالصة طاعة لازمة.
ومن الفتوة الشفقة على الإخوان في كل الأحوال، كذلك سئل الجنيد رحمه الله عن الشفقة على الخلق، فقال: أن تعطيهم من نفسك ما يطلبون، ولا تحملهم ما لا يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون. وسئل بعضهم: كيف شفقتك