فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُمْ، يا عبادي كلُّكُمْ عارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ
فاسْتَكْسوني أكْسُكُمْ، يا عبادي لَو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُمْ وإنْسَكُم وَجِنَّكم كانُوا على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخزائن الرزق بيده تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} فمن لا يطعمه بفضله بقي جائعاً بعدله إذ ليس عليه إطعام أحد فقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} التزام منه تفضلاً لا لأنه واجب عليه بالأصالة ولا يمنع نسبة الإطعام إليه ما يشاهد من ترتب الأرزاق على الأسباب الظاهرة من حرف وصنائع وأنواع من الاكتساب لأنه تعالى المقدر لتلك الأسباب الظاهرة بقدرته وحكمته الباطنة فالجاهل محجوب بالظاهر عن الباطن والعارف الكامل لا يحجبه ظاهر عن باطن ولا باطن عن ظاهر بل يعطي كل مقام حقه وكل حال مستحقه. قوله: (فاستطعموني) أي سلوني واطلبوا مني الطعام ولا يغرن ذا الكثرة ما في يده فإنه من فضل ربه فينبغي له مع ذلك إدامة السؤال ليدوم له حسن الحال ولا يغفل فتنتفي عنه النعمة فقل أن تعود إليه وفي الحديث المرفوع ما نفرت النعمة عن قوم فعادت إليهم. وقوله: (أطعمكم) أي أيسر لكم أسباب تحصيله من نحو تسخير السحاب لبعض الأماكن أو تحريك قلب فلان لإعطاء فلان أو إحواج فلان لفلان بوجه من الوجوه فيسأل منه نفعاً إذ العالم جماده وحيوانه مطيع له سبحانه طاعة العبد لسيده وتصرفه سبحانه في الكون عجيب لمن تدبره وفي الحديث إشارة إلى تأديب الفقراء كأنه قال لهم لا تطلبوا الطعم من غيري فإن من تطلبون منهم أنا أطعمهم فاستطعموني أطعمكم وفي هذا وما بعده تحريض على الإقبال على المولى والسؤال من فضله في جميع ما ينزل بالإنسان وسبق أنه سبحانه قال يا موسى سلني في دعائك حتى في ملح طعامك وفي هذا جميعه أو في بينة وأقوى برهان على افتقار سائر الخلق إليه وعجزهم عن جلب منافعهم إلا بأن ييسر لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم فلا حول ولا قوة إلا به ولا اعتماد إلا
بسببه ولما كانت حاجة الإنسان في بقائه للطعام والشراب أشد إذ لا بقاء له بدونهما تعرض لهما. قوله: (إنسكم)