عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجَل فرَضَ فرائِضَ فَلا تُضَيِّعوهَا، وحَدَّ حُدُوداً

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وما ورد أن سليمان وعيسى عليهما السلام قالا ذلك لم يصح فثبت أنه لا مشارك لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الكلمة المتضمنة لمجامع الخير والمانعة عن قبائح الشر كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وما في الغضب من القبائح وما في تركه من أنواع الخير ففي هذه اللفظة النبوية أي لا تغضب من بدائع الحكم وفوائد استجلاب المصالح ودرء المفاسد ما لا يمكن عده ولا ينتهي حده قال بعض المحققين هذا الحديث يصح أن يقال أنه ربع الدين لأن أعمال الإنسان إما خير أو شر والشر إما أن ينشأ عن شهوة كالزنى أو غضب كالقتل والقذف والطلاق والحقد على المسلم وحسده ونحو ذلك وهذا الحديث متضمن لنفي الغضب فيتضمن نفي نصف الشر وهو ربع المجموع ويدل على انحصار سبب الشر في الشهوة والغضب أن الملائكة لما تجردوا عنها تجردوا عن سائر الشرور جملة وتفصيلاً ثم الغضب إنما يذم حيث لم يكن الله تعالى وإلا فهو محمود ومن ثم كان -صلى الله عليه وسلم- يغضب إذا انتهكت حرمات الله تعالى فحينئذٍ لا يقوم لغضبه شيء حتى ينتصر للحق. قوله: (عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه) بمعجمة مضمومة فمفتوحة فنون نسبة إلى خبشينة قبيلة معروفة من قضاعة وفي اسمه واسم أبيه غير ذلك نحو أربعين قولاً وهو ممن بايع تحت الشجرة وضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه يوم خيبر وأرسله إلى قومه وأسلموا نزل الشأم ومات أول إمرة معاوية وقيل في إمرة يزيد وقيل امرة عبد الملك سنة خمس وتسعين روى له الجماعة. قوله: (فرض فرائض) أي أوجبها وحتم العمل بها (فلا تضيعوها) بتركها وعدم المحافظة على شروطها وآدابها وقد تستنبط منه الدلالة لمذهبنا أن الفرض والواجب مترادفان لأن النهي عن التضييع لا يختص بالفرض عند غيرنا وهو ما ثبت بدليل قطعي بل يعم الواجب عنده أيضاً وهو ما ثبت بدليل ظني فتفريع فلا تضيعوها على ما قبله ظاهر في شموله للقسمين. قوله: (وحد حدوداً) أي فصلها وبينها والحد لغة المنع والشيء الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر قال في الكشاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015