وإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وأفْتَوْكَ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإثم والبر وأن القلب يطمئن للعمل الصالح طمأنينة تبشره بحسن العاقبة ولا يطمئن للإثم بل يورثه نفرة وحزازة لأن الشرع لا يقر عليه وإنما يكون على وجه يشذ أو تأويل محتمل لكن يظهر معياره بما يأتي في حديث النواس من أنه الذي يكره اطلاع النّاس عليه ولم يزل هذا ظاهراً معروفاً ومن ثم قال زهير:
الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
قوله: (وإن أفتاك النّاس الخ) هذا غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي التزم العمل بما في قلبك وإن أفتاك النّاس أي علماؤهم كما في رواية وإن أفتاك المفتون (وأفتوك) بخلافه لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون بواطنها وذلك كأن ترى مالاً لرجل من حلال وحرام فلا تأخذ منه شيئاً احتياطاً وإن أفتاك المفتي بحله مخافة أن تأكل الحرام ولأن الفتوى غير التقوى أو المراد قد أعطيتك علامة الإثم فاعتبر بها في اجتنابه ولا تقبل ممن أفتاك بمقارفته ومحل ذلك إن كان المستنكر ممن شرح الله صدره
وأفتاه غيره بمجرد ظن أو ميل إلى هوى دون دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره ومن ثم كره -صلى الله عليه وسلم- امتناع قوم أمرهم بالفطر في السفر إذ ما ورد به النص ليس للمؤمن فيه إلا إطاعة الله ورسوله فليقبله بانشراح صدره وأما ما لا نص فيه منه -صلى الله عليه وسلم- ولا ممن يعبأ بقوله فإذا وقع منه شيء في قلب شرح بنور المعرفة واليقين مع تردد ولم يجد من يفتي فيه إلا من يخبر عن رأيه وهو غير أهل لذلك رجع إلى ما أفتاه به قلبه وإن أفتاه هذا وأمثاله بخلافه قال بعض المحققين والظاهر أن هذا ليس من الإلهام المختلف في حجيته لأنه شيء يقع في القلب من غير قرينة ولا استعداد فينثلج له الصدر وأما ما هنا فهو تردد منشؤه قرائن خفية أو ظاهرة لأن الفرض أن الأمر اشتبه وأن القلب مال إلى أنه إثم فليرجع إليه فيه كما دلت عليه النصوص النبوية وفتاوى الصحابة رضي الله عنهم ووحد الفعل الأول لإسناده إلى ظاهر وجمع الثاني لإسناده إلى ضمير