يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النّاسِ يُحِبَّكَ الناسُ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فكأنه قال: أعرض عما سوى ما لا بد لك منه من المباحات احتقاراً له وباعد نفسك بغضاً للدنيا لأن حبها رأس كل خطيئة
ولأنها لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد والله لا يحب ذلك ولأن الله تعالى يحب من أطاعه ومحبته مع محبة الدنيا مما لا يجتمع كما دلت عليه النصوص والتجربة والتواتر ومن ثم ورد مرفوعاً حب الدنيا رأس كل خطيئة، ولأن القلب بيت الرب لا شريك له فلا يحب أن يشركه في بيته حب الدنيا ولا غيرها، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها لنيل الشهوات واللذات لأن ذلك يشغل عن الله أما محبتها لفعل الخير والتقرب به إلى الله تعالى فمحمود كما يدل عليه الأحاديث كحديث نعم المال الصالح مع الرجل الصالح يصل به رحماً ويصنع به معروفاً ولذا عد عثمان وابن عوف من خزان الله في أرضه ينفقان المال في طاعته ومعاملتهما الله معلومة فاقتناء المال لذلك وإمساكه للتقرب به إلى الله تعالى مطلوب ومنهم من لا يمسكه اختياراً أو مع مجاهدة للنفس وفضل ابن السماك والجنيد الأول لتحقق يقينه بمقام السخاء والزهد وابن عطاء الثاني لأن له عملاً ومجاهدة ومنهم من لا يحصل له شيء من الفضول وهو زاهد في تحصيله مع القدرة أو بدونها والأول أفضل ولذا قال كثير من السلف إن عمر بن عبد العزيز كان أزهد من أويس واختلف العلماء أي أفضل طلبها لفعل الخير أو تركها فرجحت طائفة الأول والأخرى الثاني، ثم إن رفضت الدنيا على هذا الوجه المطلوب رفضها عليه (يحبك الله) وهو بفتح آخره لأنه لما كان مجزوماً جواباً لأزهد وأريد إدغامه سكنت باؤه الأولى بنقل حركتها إلى الساكن قبلها فاجتمع ساكنان فحركت الثانية بالفتح تخفيفاً وقيل إنه مرفوع على الاستئناف وفيه إشارة إلى أن الزهد من المقامات العلية لأنه جعل سبباً لمحبة الله تعالى ومفهومه أن محبة الدنيا سبب لبغضه والورع أعلى منه لأنه تطهير القلب عن دنس التعلق بالحرام في الشريعة أو الطريقة أو الحقيقة. قوله: (وازهد فيما عند النّاس) أي من المال والجاه (يحبك النّاس) لأن قلوب غالبهم مجبولة مطبوعة على حبهما ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم