. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المبهم عند أحد من المتكلمين على هذا الحديث قاله ابن العز الحجازي وفي شرح الأربعين الرجل السائل لم يسم لكنه سأل الدلالة على عمل يكون له هاتان الخاصتان العظيمتان اللتان هما محبة الخالق الرازق ومحبة النّاس فأرشده إلى ذلك العمل معلم الخير -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أزهد في الدنيا الخ" فقوله دلني أمر من الدلالة وهو الإرشاد أي ارشدني وتقدم في أول الكتاب معنى محبة الله وإنها ترجع إما لمعنى الإرادة أو لمعنى الكلام أو إلى صفة الفعل أي الإحسان والتفضل والجملة الشرطية صفة عمل ومحبة النّاس إرادة النفع، والزهد في الشيء لغة الإعراض عنه استقلالاً له واحتقاراً لشأنه ورفعاً للهم عنه وشرعاً ترك ما عدا الضروريات أي التي لا بد منها في قوام البدن من المباحات خوفاً من النار أو طمعاً في الجنة أو ترفعاً عن الالتفات إلى ما سوى الحق وهذا زهد الخواص العارفين بالله تعالى وهو المراد في الحديث على ما يظهر قال الشافعي:
أيا نفس يكفيك طول الحيا ... ة إذا ما قنعت ورب الفلق
رغيف بفوذنج يابس ... وماء روى ولباس خلق
وحفش يكنك جدرانه ... فماذا العناء وماذا القلق
ولا يكون ذلك إلا بعد انشراح الصدر بنور اليقين ويطلق الزهد على ترك الحرام وهذا زهد العوام وهو واجب دون ما قبله ويطلق على ترك الشبهات وتقدم الخلاف في وجوبه، ويطلق الزهد على معنى أدق من هذا وهو الإعراض عما سوى الله تعالى من دنيا وآخرة وجنة ونار وحال ومقام، ومقصد صاحبه هذا الوصول إلى الرب عزّ وجلّ والتقرب منه فليس مراده إلا وجه الله تعالى وهذا زهد المقربين وحكى الحارث المحاسبي فيما يزهد فيه من الدنيا خلافاً فقيل الدينار والدرهم وقيل المطعم والمشرب والملبس والمسكن وقيل الحياة، والوجه أنه كل لذة وشهوة ملائمة للنفس مما ذكر وغيره حتى الكلام بين مستمعين له ما لم يقصد به وجه الله تعالى وحاصل ما أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم- الحث على التقليل من الدنيا وما فيها والترغيب في تركها ووعده على ذلك بحب الله