فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنما أهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مسائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفعولين لكن تنقص المطاوعة مفعولاً كذا في الكشاف. قوله: (ما استطعتم) أي أطقتم لأن فعله إخراج من العدم وذلك متوقف على شرط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحو ذلك وبعض ذلك لا يستطاع فلا جرم سقط التكليف بما لا يستطاع منه قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وتقدم بسط الكلام على هذه الجملة في الفصول أول الكتاب وهذا من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- ومن قواعد الإسلام المهمة، وبه أو بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} يخص عموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فإذا عجز عن ركن أو شرط لنحو وضوء أو صلاة أتى بالباقي أو عن غسل بعض العضو أو عن إزالة بعض المنكر أتى بالممكن وصحت عبادته مع وجوب القضاء تارة وعدمه أخرى كما هو مقرر في الفروع ويؤخذ من هذا القاعدة المشهورة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح فإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم دفعها لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد منه بالمأمورات كما علم مما تقرر ومن ثم سومح في ترك الواجب بأدنى مشقة كالقيام في فرض الصلاة ولم يسامح في الإقدام على منهي خصوصاً في الكبائر إلا إذا احتفت الضرورة وقد تراعي المصلحة لغلبتها على المفسدة ومنه الكذب للاصلاح إذ مصلحته حينئذٍ تزيد على مفسدته وهذا في الحقيقة يرجع إلى ارتكاب أخف المفسدتين. قوله: (فإنما أهلك الذين من قبلكم الخ) وجه تفرعه على ما قبله أن الأمر والنهي الصادرين منه -صلى الله عليه وسلم- لما كانا مظنة لكثرة السؤال عنهما هل يقتضيان التكرار مثلاً وكان في كثرته كثرة الجواب فضاهى ذلك قضية بني إسرائيل التي أمروا فيها بذبح بقرة فلم يبادروا إلى مقتضى اللفظ من ذبح أي بقرة كانت بل تعنتوا وشددوا على أنفسهم بكثرة السؤال فشدد الله عليهم بزيادة الأوصاف حتى لم يجدوا متصفاً بها إلا بقرة واحدة فشروها بملء جلدها ذهباً فخشي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك فلذا قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم" أي أوجب لهم العقوبة في الدنيا والآخرة. قوله: (كثرة مسائلهم واختلافهم) هو بالرفع لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا يتقيد حينئذٍ بكثرة بخلافه