وَإنَّ الله تَعالى أمَرَ المُؤمِنِينَ بِما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طيب المطعم والمشرب المستلزم لحيازة الكمال المستلزم لإجابة الدعاء غالباً المشار إليه في قوله (وإن الله أمر المؤمنين الخ) أي سوى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال وفيه أن الأصل استواؤهم مع أممهم في الأحكام إلا ما قام الدليل على أنه مختص بهم. قوله: (يا أيها الرسل) هذا الخطاب والنداء ليس على ظاهره لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة فالمراد الإعلام بأن كل رسول نودي ووصي في زمانه ليعتقد السامع أن ما نودوا به جميعاً حقيق بالأخذ والعمل به كذا في الكشاف لا يقال هذا فيه نفحة اعتزالية لأنهم لما لم يثبتوا قدم الكلام حملوا على ذلك لكن الحق أنه سبحانه متكلم في الأزل وإن لم يكن ثم مخاطب فالخطاب على ظاهره، لأنا نقول التعلق التنجيزي في حال القدم بأن يطلب من المكلف الفعل والفهم في حال القدم محال بالاتفاق والمراد بخطاب المعدوم التعلق العقلي وهو أن المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد بشرائط التكليف يوجه إليه حكم في الأزل بما يفهمه ويعقله فيما لا يزال. قوله: {كُلُوا مِنْ
الطَيِّبَاتِ} قدمه على ما بعده ليكون إشارة إلى أن العمل الصالح لا بد أن يكون مسبوقاً بأكل الحلال وهو ما يقرب العبد إلى الله. قوله: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي ملكناكم وقد أتي في بعض المواضع بمعنى نفعناكم وأسند الرزق إليه تحريضاً لهم على غاية احتياطهم حتى لا يأكلوا إلا الحلال المطلق الذي يستأهل أن يضاف إليه وأتى بمن المفيدة للتبعيض صيانة لهم وكفاً عن الإسراف، والطيبات جمع طيب وهو الحلال الخالص من الشبهة لأن الشرع طيبه لآكله وإن لم يستلذه وعن الشافعي أنه المستلذ أي شرعاً إلا فلذيذ الطعم غير المباح وبال وخسار فيكون طعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً فهو بمعنى ما قبله خلافاً لمن فهم تغايراً بين التفسيرين نعم قد يراد بالطيب أخص من الحلال وهو المستلذ طبعاً ونحو ذلك {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ