مادًّا يديه حتى سقط رداؤه.
قلت: يهتف بفتح أوله وكسر ثالثه، ومعناه: يرفع صوته بالدعاء.
وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -في بعض أيامه التي لقي فيها العدو- انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في النّاس قال: "أيها الناسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ واسألوا اللهَ العافِيَةَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في المواهب وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: هذا الكلام لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك - صلى الله عليه وسلم - ومن معه حينئذٍ لا يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان اهـ. لكن استشكل بأنه لا يلزم من هلاك من معه ببدر ألا يعبد سبحانه وتعالى لوجود جملة من المسلمين بالمدينة ومكة وغيرهما من البلاد قال القرطبي: وأجيب باحتمال أنه قال ذلك عن وحي أوحي إليه فمن الجائز أن يكون هلاك تلك العصابة في ذلك الوقت سببًا لفتنة غيرهم فلا يبقى مؤمن على الأرض يعبد الله فنقطع العبادة اهـ أو يقال ليس المراد من العصابة الحاضرين ببدر فقط بل هم وغيرهم من أهل الإيمان وسمي الجميع عصابة لقلتهم بالنسبة إلى كثرة عدوهم وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن لا نبي بعده وقدر في نفسه الهلاك عليه وعلى كل من آمن به ونظر إلى سنة الله في العبادات أن لا تتلقى إلا من جهة الأنبياء لزم من ذلك نفي العبادة جزمًا قال القرطبي وهذا أحسن الوجوه قلت والظاهر أنه مراد القسطلاني لكن في كلامه إجمال والله أعلم بحقيقة الحال.
قوله: (يهتف بفتح أوله الخ) قال المصنف في شرح مسلم أي يصيح ويستغيث بالدعاء وفي الحديث استحباب الاستقبال في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء.
قوله: (وروينا في صحيحهما الخ) وكذا رواه أحمد قال الحافظ وأبو داود كما في السلاح. قوله: (لا تتمنوا لقاء العدو) قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن وقد قال الصديق لأن أعافى وأشكر أحب إلي من أن أبتلى وأصبر وقال غيره إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال