أبو بكر رضي الله عنه بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المؤمنين قال الكرماني روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى الكفار وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثمائة وبضعة عبر فاستقبل القبلة وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه وأخذه أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبيه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدة ربك فإنه سينجز لك ما وعدك وهذا اللفظ الذي عبر عنه الكرماني بقوله: يروى الخ هو لفظ صحيح مسلم. فالتعبير بهذا اللفظ المؤذن بالتمريض فيه غير قويم قال المصنف قال العلماء هذه المناشدة إنما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراه أصحابه بتلك الحالة فتتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان تعالى وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما الجيش وكانت العير قد ذهبت وماتت فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين اهـ وقد بسط الخطابي فقال: قد يشكل معنى هذا الحديث على كثير وذلك إذا رأوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يناشد ربه في استنجاز الوعد وأبو بكر يستلزمه يتوهمون أن حال أبي بكر بالثقة إلى ربه والطمأنينة بوعده أرفع من حاله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا يجوز قطعًا فالمعنى في مناشدته - صلى الله عليه وسلم - وإلحاحه في الدعاء الشفقة على قلوب أصحابه وتقويهم إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه في لقاء العدو وكانوا في قلة من العدد والعدد فابتهل بالدعاء وألح ليسكن ذلك ما في نفوسهم إذ كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة ودعوته مستجابة فلما قال له أبو بكر مقالته: كف عن الدعاء وعلم أنه قد استجيب دعاؤه بما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة حتى قال له ذلك القول ويدل عليه تمثله - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: ({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وكان - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة قال القسطلاني في المواهب اللدنية وجاز عنده - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقع النصر يومئذٍ لأن وعده النصر لم يكن معينًا لتلك الواقعة بل كان مجملًا هذا هو الذي يظهر اهـ. وأجاب السهيلي بقوله كان الصديق في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام الخوف لأن الله يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد الله في الأرض فخوفه ذلك