فصل: روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قال اللهُ تَعَالى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ:
نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُون: نَعَمْ؟ فيَقُولُ: فماذَا قال عَبْدي؟ فيَقُولونَ: حَمِدَكَ وَاسْترْجَع، فَيَقُول الله تعالى: ابْنُوا لِعَبْدي بَيتا في الجَنَّةِ، وسَمُّوهُ بَيتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن. والأحاديث في فضل الحمد كثيرة مشهورة، وقد سبق في أول الكتاب جملة من الأحاديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
قوله: (رَوَينَا في كتَابِ الترمذِيِّ الخ) وأحمد وابن حبان في صحيحه أيضًا. وقال الحافظ: الحديث حسن وقال الترمذي فيه حسن غريب واختلف في توثيق أبي سنان أحد رواته وتضعيفه واعتمد ابن حبان توثيقه فأخرج الحديث في صحيحه والله أعلم. قوله: (قَال الله تَعَالى لملائكتِهِ الخ) أي تنبيهًا لهم على عظيم فضل ثواب الصابرين وإلّا فهو غني عن هذه المسألة فقد أحاط علمه بكل
شيء. قوله: (فَيقُول قَبضتمْ ثمرةَ فُؤَادِهِ الخ) القول فيه التنبيه على عظيم صبره لعظيم مصابه وترقى من قوله ولد عبدي أي فرع شجرته إلى ثمرة الفؤاد المكنى بها عن الولد لكونه بمنزلة خلاصة الخلاصة إذ القلب خلاصة البدن وخلاصته اللطيفة الموضوعة فيه من كمال الإدراكات والعلوم التي خلق لها وشرف بشرفها فلشدة شغف هذه اللطيفة بالولد صار كأنه ثمرتها المقصود منها فبين هذا الترقي وجه عظمة هذا المصاب وعظمة الصبر عليه مع ذلك. قال في النهاية، سمي الولد ثمرة لأن الثمرة ما تنتج الشجرة والولد نتيجة الأب اهـ. ثم إن المصاب ترقى من مرتبة الصبر إلى مقام الحمد كما أخبرت عنه الملائكة. قوله: (حَمِدَكَ واسْتَرْجَعَ) أي قال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون يقال منه رجع واسترجع. قوله: (ابْنُوا لِعبدِي بيتًا في الجنّةِ الخ) قال العلماء لما عظم على المصاب المصيبة ومع ذلك لم يعدها مصيبة من كل وجه بل من وجه فاسترجع ونعمة من وجه آخر فحمد ناسب أن يقال بالحمد حتى يسمى محله به. وفي الخبر الجمع بين الحمد والاسترجاع وما روي عن داود - عليه السلام - من أنه يقول في المصيبة هذا موضع استرجاع وللحمد مكان محمول