وهذا ظاهر وإنما دقة صنعته بقوله: تذيب الحسن، ولم يقل: تزيل الحسن أو ما أشبهه. لأن الدمع لما كان يذهب بالحسن أولاً فأولاً كان استعارة الإذابة لفعله أولى كما قيل في الحب إذا هزل البدن: أذابه لأنه اخذ منه قليلاً قليلا. وأيضاً لما كان في الذوب من معنى السيلان والدمع سائل فكأن سال معه الحسن، فأما تكنيه بقوله: من المسك وحده، وإنه منع من أن يكون سواده من الكحل إذ كن صواحب مصيبة متمرهات لا يكتحلن فقد أتى به ابن جني. وكذلك قوله: حمراً على الشعر الجثل لما كن ناشرات شعورهن من المصاب، والشعر كان جثلا كثيراً صار الدمع يقطر عليه. ولقائل أن يقول: فصاحبه المصيبة لا تكتحل، فكذلك لا تستعمل المسك فجوابه إنهن لم ستعملن المسك بعد المصيبة، وإنما استعملنه قبلها فبقي في شعورهن وليس الكحل كذلك فإنه لا يبقى في العين مدة طويلة، وإنما يبقى ليلة واحدة في المعهود. فإن قال قائل: كيف قطر الدمع على الشعر وان كان منشوراً فإنما يقع يميناً وشمالا. فالجواب: إن الشعر إذا كثر عم البدن. ألا ترى إلى قول القائل:
بيضاءُ تسحبُ من قيامٍ شَعرها ... وتغيبُ فيهِ وهو وحفٌ أسحمَ