وجوَّز قومٌ قلبَ الأعيان وإحالة الطباع به كصيرورة الإنسان حمارًا، ومنعه آخرون، قالوا: وإلَّا. . لم يكن فرقٌ بين النبي والساحر، ويردُّ بوضوح الفرق بينهما؛ فإنَّ قَلْبها عند التحدي لا يمكن معارضته؛ لاطِّراد العادة الإلهية بأن مدعي النبوة كاذبًا لا يظهر على يديه خارقٌ كذلك مطلقًا، وعند عدمه يمكن المعارضة بتعلم ذلك السحر، فظهر أن قيد اللتحدي لا بد منه، لكنه لا يشترط عند كل معجزة (?)؛ لأن أكثر معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم صدر من غير تحدٍّ، بل قيل: إنه لم يتحدَّ بغير القرآن وتمنِّي الموت، وإنما الشرط وقوعها ممن سبق منه دعوى التحدي، فتأمل ذلك؛ لتدفع به ما أطال به النقَّاش في "تفسيره" من إبطال اشتراط ذلك وتزييفه.
والخارقُ المكذِّب للمتحدي به (?)؛ كما وقع لمسيلمة اللعين أنه تفل في بئرٍ ليكثر ماؤها فغار، ولا يَرِد ما سيقع على يد الدجال من الخوارق العجيبة؛ لأنه مدَّعٍ للربوبية لا الرسالة، فالعقل يستقل بكذب دعواه، فلا يؤثر فيه ظهور تلك على يديه، بخلاف مدعي الرسالة؛ فإن العقل لا يستقل بكذبه، فلم يمكن ظهور خارقٍ على يديه.
ثم هذه الشروط جميعها موجودةٌ في القرآن، فكان معجزةً، بل هو أظهر وأعجب حتى من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص؛ لأنه دعاهم إلى معارضته بالإتيان بمثل أقصر سورة منه، ففروا إلى سفك دمائهم، وسبي حريمهم، وجَلائهم عن وطنهم، ولم يدَّعِ أحدٌ منهم القدرة على ذلك مع كونهم أهل البلاغة، وأرباب الفصاحة، ورؤساء البيان، والمتقدمين في اللَّسَن، فهذا أعجب مِن عجزِ مَنْ شاهد المسيح يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص؛ لأنهم لم يطمعوا فيه، ولا تعاطوا نحوه، وقريش كانوا يتعاطون الفصاحة والبلاغة، فعَجْزُهُم مع ذلك عن المعارضة، وفرارهم إلى ما ذُكِر .. دليلٌ قاطعٌ على نبوة المتحدي به، ومن ثَمَّ نادى عليهم صلى اللَّه عليه وسلم بعجزهم قبل المعارضة بقوله عن اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا}، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} الآيةَ، فلولا عِلْمه بأنه على بينةٍ من ربه،