وأما النهي. . فإما عن تفضيلٍ في ذات النبوة أو الرسالة؛ إذ هم فيها سواء، أو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيصِ بعضهم، أو على التواضع منه بقوله: "لا تفضلوني على الأنبياء"، وإما قبل علمه بتفضيله عليهم وإن استبعد بأن راويَهُ أبو هريرة، وما أسلم إلا سنة سبعٍ، فيبعد أنه لم يعلمه إلا بعد هذا.
وأجاب جمعٌ كمالكٍ وإمام الحرمين عن خبر يونس بما حاصله: أن تفضيل نبينا صلى اللَّه عليه وسلم بالأمور الحِسِّية كالشفاعة الكبرى، وكونه تحت لوائه، والإسراء به إلى فوق سبع سماوات مع النزول بيونس إلى قعر البحر. . معلومٌ بالضرورة، فلم يبقَ إلا النهي بالنسبة إلى القرب والبعد من اللَّه سبحانه وتعالى المتوهم التفاوت فيه بين من فوق السماوات، ومن في قعر البحر، فبيَّن صلى اللَّه عليه وسلم أنهما حينئذٍ بالنسبة إلى القرب والبعد من اللَّه سبحانه وتعالى على حد سواء؛ لتعاليه تعالى عن الجهة والمكان علوًا كبيرًا، ففيه أبلغ ردٍّ على الجِهَوية والمجسمة، قاتلهم اللَّه تعالى ما أجهلهم!
لا يقال: هو تعالى فضَّل الملأ الأعلى على الحضيض الأدنى (?)، فكيف لا يفضله باعتبار ذلك؟! لأنا نقول: ليس النهي عن مطلق التفضيل، بل عن تفضيلٍ مقيدٍ بالمكان يفهم منه القرب المكاني، فهو لم يفضله باعتبار استواء الجهتين بالنسبة إلى وجود الحق سبحانه وتعالى.
واعلم: أن في حديث: "أنا سيد العالمين" أبلغَ ردٍّ على المعتزلة (?) في تفضيلهم الملائكةَ على الأنبياء كان و"افقهم الباقلاني والحليمي رحمهما اللَّه تعالى، قالوا: لأنهم أرواحٌ منزَّهةٌ عن الشر بسائر مبادئه وغاياته، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يتعلمون منهم، وقُدِّموا في القرآن والسنة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الذكر (?).
والجواب: أن ذلك التنزيه هو المقتضي لمفضوليتهم؛ لأن غيرهم لمَّا اكتسب الفضائل والكمالات العلمية والعملية مع ما رُكِّب فيهم من الشهوة والهوى، وسُلِّط